مزاد... كاب ديزاد
الوعي… ومضادات تخريب الوطن!
يعرف العالم تغيرات إستراتيجية مهمة، وتوازنات دولية أرخت بظلالها على المجتمع الدولي، وأصبحت الدول تبحث عن المخرجات التي تسمح لها بالتموقع، واتخاذ القرارات التي تخدمها وتؤمن أمن وسلامة شعبها وأمنها القومي، بعقد تحالفات وإلغاء اتفاقيات، باستغلال الفرص والمناسبات.
وفي خضم الحركية النشيطة التي تشهدها العلاقات الدولية، تتخذ الجزائر منحى يعتمد على عدم فقدانها لسيادتها، ويعزز مكاسبها ويحقق سيادتها، ويلغي تبعيتها عبر إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية السابقة، والمشاريع الجديدة التي تفتح لها أفاقا في عالم شعاره “الاحترام للقوي”. ولكن التغيرات الواقعة، بقدر ما تخدم الجزائر وتحمل الإضافة للأطراف الجديدة في علاقاتها، فهي تخلق حقدا من شركائها القدامى، الذين تملصت منهم وابتعدت عن خطهم لأنهم لم يدعموها بقدر ما استغلوها ونهبوا إمكانياتها طيلة فترة الشراكة الأساسية التي كانت تجمعها بهم. ولأن الجزائر ليست بلدا متوحشا ولا محبا لاستعمال السلاح ضد غيره، فهي تتبع سياسة الحوار واقتناص الفرص، واعتماد الدبلوماسية في تسطير سياستها الخارجية، لكنها توفر جيشا شرسا في إدارة المعارك، وتملك أسلحة فتاكة، بعضها متطورة لا يمكن لكل دول العالم امتلاكها حتى القوية منها، وما يتبع مناوراتها العسكرية التي أصبحت تقليدا، من تحاليل ودراسات من أطراف خارجية، يكشف عن وضع الجزائر على طاولة المتربصين بها، وسعيهم الدائم إلى زعزعة استقرارها الداخلي، وقد ازداد الوضع مؤخرا، بعدما ابتعدت الجزائر عن فرنسا وإسبانيا، وتقربت من إيطاليا، وزادت من توثيق معاملاتها مع البرتغال، في حين تصر على عدم الخوض في علاقاتها المتوقفة مع نظام “المخزن”. ولأن الجزائر استرجعت مكانتها بالمنطقة واتجهت لتوسيع اهتمامها داخل العمق الإفريقي، في الوقت الذي تواصل فيه الشعوب الإفريقية طرد التواجد الفرنسي، بدأت بعض الشرارات تطرأ على الوضع الداخلي، في محاولة لإشعال الفتنة داخليا وتحطيم الأمن القومي، بإثارة بعض المسائل التي تثير حساسية وسط الشعب الجزائري كمسألة الهوية، والأمازيغ والعرب، إلى جانب استغلال الأشخاص المهزوزي العاطفة، ومنحهم المال مقابل القيام بأعمال تخريبية ضد الشعب وأمن البلد كحرائق الغابات، إحداث أعطاب بشبكات المياه، تخريب وسائل النقل العمومية، خلق المضاربة في المواد الاستهلاكية، تعطيل تنقل الجزائريين المغتربين إلى الجزائر، خلق أزمات في قطاعات حساسة، وهو ما يخلق عدم الرضا لدى المواطنين، الذين لا يجدون حلا غير الاحتجاجات والإضرابات، وهي الأحداث التي تعطي الفرصة للمندسين للقيام بالفوضى وإحداث الشغب. حيث أصبح ظاهرا للعيان ما ينشر بمواقع التواصل الاجتماعي من منشورات تحريضية واضحة، همها التشكيك في القادة مدنيين وعسكريين، الترويج لما يزيد من إحباط المواطنين وخلق عدم الثقة في المسؤولين، رغبة في نسف كل المجهودات التي تقوم بها الدولة. وما يجعل هذه الأفكار التدميرية تنتشر، هو اعتماد بعض المحللين وحتى الإعلاميين على زرع اليأس والترويج لكل المحبطات، ما يجعل المواطن لا يستوعب قيمة ما تقدمه الدولة وما تسعى لتحقيقه السلطات، عبر خلق أزمات مصطنعة، كممارسة البيروقراطية في الإدارة، الاستخفاف بصحة المرضى بالمؤسسات الاستشفائية، عدم التفاعل مع نداءات المواطنين للتدخل وحل مشاكلهم اليومية.
وبينما يزداد حجم الصراع الفكري، فإن بعض وسائل الإعلام الثقيلة كقنوات التلفزة الخاصة، يركزون في برامجهم على استضافة شخصيات لا يهمها ما تصرح به، بقدر ما يهمها “البوز” الذي تصنعه، في الوقت الذي استقال فيه علماء الاجتماع وأخصائيو النفس، ولم يعد لهم علاقة بالمجتمع وما تحتاجه من جرعة الوعي، التي قد تنقذ أمة من استعمار ناعم، لم نعد نراه في الشارع والناس تموت بالسلاح، وإنما أصبح فكرا يغزو العقول، ومشاعر سلبية تعبئ النفوس.
إلى متى يبقى وعينا تحت رحمة الغرباء في ظل صمت نخبتنا وتقاعد الأخصائيون والخبراء؟ أليس بناء الوعي يعتمد على أفلام، مسلسلات، نشاطات، أغاني، أناشيد، أعمال مسرحية، محاضرات، ندوات، برامج إعلامية وتربوية، هدفها بناء الإنسان وعمقها تقوية بذور حب الوطن وخدمته؟!