رئاسيات 2024

الباحث والأكاديمي “جمال بن كريد” في حوار خاص لموقع “كاب ديزاد”: “هذا واقع جزائر اليوم وهذا ما يجب أن يتوفر في الرئيس القادم”

تعيش الجزائر لحظة مخاض لاختيار رئيس جمهورية، عبر الانتخابات المقررة في 7 سبتمبر الجاري، يكون قادرا على السير بها إلى بر الأمان وضمان تموضع يسمح لها باتخاذ القرارات التي تحفظ مكانتها الدولية في ظل التغيرات الجيوستراتيجية الحاصلة في العالم، وتعزز مواقفها اتجاه مختلف القضايا لاسيما القضايا الدولية والقضايا العادلة، وتواصل مساهمتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار بافريقيا واستعادة القارة لاستقلالها الاقتصادي خاصة.

وفي هذا السياق، ولتبسيط المفاهيم وإعطاء صورة توضيحية عن الوضع بالجزائر وما يفرضه الوضع الخارجي، وما يفترض أن يكون عليه الرئيس القادم للجزائر، أجرى موقع “كاب ديزاد” حوارا مع الباحث والأكاديمي الجزائري الدكتور “جمال بن كريد”، هذا نصه:

  •       الجزائر مقبلة على محطة مهمة تتعلق برئاسيات 7 سبتمبر الجاري، كيف تصفها في الإطار العام في الظروف الدولية والمتغيرات الإقليمية الحاصلة؟

   أولا وقبل كل شيء، أشكركم على هذا الحوار المميز الذي يأتي في ظروف صعبة من كل النواحي.

إن البعد الانتخابي للرئاسيات في هذه الظروف، ينبغي أن يكون موضوعيا من حيث المضمون. إن الظروف العالمية والمتغيرات الإقليمية الحاصلة تمثل تحديا لهذه الانتخابات الرئاسية، أما فيما يخص الصيغة الاستثنائية للمرحلة للسياسية للجزائر، فهي تأتي في مرحلة حساسة جدا يتم فيها رسم خارطة جديد للمسار العالمي. الجزائر على باب جديد لأنها تلعب دورا أساسيا في الإشكالية العامة والخاصة في هيكلة عالم متنوع الأقطاب، والجزائر تمثل قطبا جديدا في السياسة العالمية والإقليمية خاصة، لأن الضغط الإقليمي هو الذي يؤثر على المسار الانتخابي الذي هو جزء من المسار الديمقراطي.

  •       هناك 3 مترشحين يتسابقون، وهو “يوسف أوشيش” مرشح جبهة القوى الاشتراكية المعروفة ب”أفافاس”، و”عبد العالي حساني” مرشح حركة مجتمع السلم المعروفة ب”حمس”، إلى جانب المترشح الحر “عبد المجيد تبون”، طرحوا برامجهم خلال 21 يوم عبر الحملة الانتخابية، هل تبدو لك في مستوى ما يجري وما يتطلع إليه الشعب؟

 إن السباق الانتخابي يحمل في طياته البعد الديمقراطي المحض الذي تتطلبه الديمقراطية.

إن المسار الانتخابي لا يشمل الديمقراطية كمفهوم شامل وتطوري فحسب بل هو ضرورة في الوعي الشعبي، فيما يخص البرامج المطروحة فهي متساوية في المضمون ومختلفة في الشكل، البرامج متجانسة لأنها تتكيف مع وضع اقتصادي وسياسي ملتزم بأجندة موضوعية في إطار المعطيات الدولية، التي تتمحور حول المستجدات الإقليمية المنحصرة في الإطار الدولي.

أما فيما يخص تطلعات الجزائر، فلكل مترشح مبدأ ينص عن إرادة الشعب الذي يريد تطوير وحدته وازدهار الجزائر في شتى المجالات.

  • كيف يمكن للجزائر المساعدة في استتاب الأمن في ظل التطورات التي يعرفها الساحل والحدود الجنوبية الشرقية والغربية؟

  إن الوضعية الأمنية للجزائر خطيرة جدا، لأنها موجودة في بقعة ارتداداية في كل الجوانب الحدودية، وخاصة الجنوب الشرقي والغربي، لنفسر هذه الوضعية العويصة :

عندما نرى تقهقر القوات الفرنسية في الجنوب الساحلي نستطيع القول أن الأوراق تغيرت من الناحية الجغرافية والجيوسياسية.

اليوم فرنسا في جنوب الساحل ليس لها تأثير، لأن مرتزقة الجماعة المرتزقة “فاغنر” وهي قوات تابعة لروسيا، فرضت نفسها في الساحة السياسية والأمنية في نفس الوقت، وخير مثال هو تكوين فدرالية بين الدول الثلاث النيجر، مالي وبوركينافاسو، الذين جاؤوا بانقلاب عسكري بطريقة مباشرة وكونوا وحدة إقليمية يتسنى لهم تغيير المعادلة التي ما لبثت فرنسا أن تكون محور سياسيا سلبيا في المنطقة سابقا.

أما فيما يخص عدونا اللدود المتمثل في المخزن، فإنه كالعادة يريد زعزعة استقرار الجزائر عن طريق اتفاقياته مع الكان الصهيوني الذي يمثل خطرا في العالم.

أما الناحية الشرقية، فإن القوات المرتزقة لحفتر وحلفائه فهم يتمركزون على مقربة بالحدود.

وعليه فإن الجزائر مطالبة بتقوية تواجدها العسكري على الحدود لحماية حدودها من أي اختراق محتمل، إلى جانب ضرورة تفعيلها لدورها الديبلوماسي بالمنطقة، لاسيما وأن الجزائر مشهود لها تاريخيا بقوتها الديبلوماسية وتحقيقها لنتائج إيجابية في الملفات التي تخوض فيها.

  • العلاقات الثنائية الجزائرـ الفرنسية متشنجة، والذاكرة التاريخية بين الدولتين مضطربة، لماذا تتعمد فرنسا استفزاز الجزائر في كل مرة؟ ولماذا ترفض طلب الاعتذار من الجزائر عن جرائمها المقترفة طيلة 130 سنة؟

  إن الكيان الفرنسي في هيكله السياسي والتاريخي لا يستطيع قبول الحقيقة التاريخية والسياسة مع الجزائر. فرنسا لم تستطع الاعتراف بالإبادة الجماعية والتاريخية للشعب الجزائري.

إن العلاقات بين الجزائر وفرنسا ستظل مضطربة حتى يأتي مسؤولون فرنسيون يعترفون بالحقيقة التاريخية للإبادة الجماعية، وأهم مثال “إيمانويل ماكرون” حينما كان مترشحا للانتخابات الرئاسية، قال جملته: “إن الاستعمار الفرنسي كان عاملا مباشرا في مجازر ضد الإنسانية في الجزائر”. وهذا أدى إلى رد فعل همجي متطرف من اليمين واليمين المتطرف وخاصة الذين لهم حنين للماضي البائس وخاصة الأقدام السوداء.

أما فيما يخص الذاكرة، فإن فرنسا لا تسطيع الاعتذار طالما هناك هيمنة من طرف اللوبي الاستعماري الظالم، الذي له أطماع حتى الآن في الجزائر.

  • بالحديث عن الجزائر وتغيير بوصلتها نحو تطليق اقتصاد الريع، كيف يمكنها تحقيق ذلك ؟

  إن الاقتصاد الجزائري مرتكز على إشكالية البترول أو المحروقات والغاز، لأن حاسي مسعود وحاسي الرمل يمثلان البنك الرئيسي للخزينة الجزائرية وميزانية الدولة.

إن اقتصاد الريع يمثل سرطانا لكل اقتصاد متدهور. إن اقتصاد الريع لا يعطي مصداقية للإنتاج والإنتاجية، وهذا يمثل منطق مطلق لكل التحليل النظري للاقتصاد وريع المحروقات، فهذا يتطلب دراسة استثنائية للدولة والمسيرين الذين لهم كفاءات كاملة وجيدة، بمعنى أن الاقتصاد الوطني الصناعي بالخصوص لابد أن تندمج فيه الوسائل التكنولوجية الجديدة التي تساهم في تنوع الاقتصاد الجزائري، ليعطي اقتصادا جديدا مبنيا على خاصية التجديد المرتكزة على التطور التقني المحض من جهة. ومن جهة أخرى، لابد من عزل الاقتصاد المبني على الريع والبحث عن اقتصاد جديد مبني على الإرادة والتنوع الذي يتمحور حول التكنولوجيا الجديدة المرتكزة على إنتاج الكفاءات العلمية عن طريق تكوين إطارات خالصة علميا وبعث المشاريع القاعدية الكبرى لوضع بنية تحتية صلبة. إن الاقتصاد الوطني لابد أن يرتكز على الرأسمال البشري، الذي يمثل البديل الحقيقي لاقتصاد الريع. إن اليوم في هذا الظرف التنافسي الشرس لابد من تشكيل اقتصاد مبني على المعايير الدولية حتى يتسنى للجزائر الانخراط في دورة الاقتصاد الإيجابي المتمثل في الاندماج في السوق العالمية {العولمة}.

  • في كل دولة تبحث عن التطور تتجه لاستعادة أدمغتها المهاجرة، والجزائر انطلقت في هذا المسعى مؤخرا عبر عديد الآليات كفتح البحث العلمي، تعديل قانون الاستثمار وإنشاء وزارة خاصة بالمؤسسات المصغرة والناشئة، هل تراها أستاذ كافية ؟

 كل الدول تريد التطور عن طريق الامكانيات المتاحة، كل الدول تريد تطور منظورها عبر الإرادة السياسية لحكامها، ومن هذا المنطلق نرى أن الجزائر تريد جلب الكفاءات الموجودة بالخارج عن طريق سياسة الانفتاح على جاليتها، رغم وجود بعض العواقب الإدارية المتمسكة بنظام بيروقراطي سلبي.

إن هجرة الأدمغة إلى الخارج هي ظاهرة تاريخية لكل المجتمعات، وفيما يخص الجزائر، فهي أكثر الدول التي أعطت الدول المتطورة مادة علمية عالية “المورد البشري”، لأنها لم تستغل في وقت ماض بعض المؤهلات المنبثقة من الإرادة التربوية ناهيك عن غياب الإرادة السياسية المهيكلة في المنظومة التربوية وآليات البحث العلمي، اليوم نستطيع أن نضع برنامجا إصلاحيا لإصلاح أو تغيير القانون مع دعمه ببرنامج تحفيزي لتحقيق نتيجة حقيقية.

أما فيما يخص السياسة المنتهجة في هذا السياق من طرف الدولة الجزائرية، نلاحظ إرادة منسقة من طرف الدولة الجزائرية التي سخرت إمكانيات وآليات جديدة ترتكز على القوانين الجديدة التي تسهل للمستثمر طريق الاستثمار في المجالات الحديثة التي تبني تكنولوجيا جديدة “ntic” وعزل السلوكات الطفيلية التي لا تعطي أي قيمة مضافة للإنعاش والتطور الاقتصادي. حقا هناك نقص في جلب الأدمغة بالخارج، لكن هناك شعور باطني للجالية بالعودة إلى أرض الوطن وإعطاء قسط من التجربة الدائمة والكفاءات الموجودة والمكونة لهذه الفئة. أريد القول أن الدولة الجزائرية تعطي أكثر من اللازم لجلب الكفاءات العلمية وتمويل المشاريع للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن طريق المساندة الدائمة للاقتصاد، عبر المساهمة الفعلية في بناء اقتصاد مبني على أسس عقلانية وتزويد السوق بآليات حديثة مرتكزة على التكنولوجيا المتطورة.

  • بصفتك باحثا وأكاديميا ومحاضرا جزائريا بالمهجر، ما الذي يفترض أن يعتمده الرئيس المستقبلي للجزائر للقفز بها إلى الدول المتطورة؟

  إن الرئيس الجديد للجزائر، لابد أن يكون صارما على الوحدة الوطنية في كل أشكالها من جهة، ومن جهة أخرى لابد أن يكون له برنامج يتماشى مع الواقع العالمي.

هاذين البعدين السياسي والاقتصادي لابد أن يكونا المحورين الأساسين لرئيس الجمهورية، أما فيما يخص البعد الشخصي فلابد أن يكون له حبا اتجاه الوطن وصارما لأنه من يتحمل التحديات الإقليمية والدولية للوطن. كما أنه يتعين على الرئيس الجديد أن يكرس كل وقته للجزائر ويلتزم بالبعد الديمقراطي الحقيقي المنبثق من طموحات كل الطبقات الاجتماعية، وعليه أن يتحلى باليقظة للتطورات الحاصلة في العالم، وأن يكون متحكما بالمعطيات لدى تناوله للصراع الجيوستراتيجي الحاصل، إلى جانب أنه يفترض أن يكون متأقلما مع الوضع الراهن عبر أفكار ونظرة ومشاريع في المستوى المطلوب، مع مراعاة الانفتاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وباقي المجالات. وأشير هنا إلى أن هذا المعيار التحليلي الذي قدمته هنا هو عبارة عن تجربتي الشخصية في المهجر وتنقلاتي ومشاركاتي في مختلف التظاهرات والملتقيات عبر قارات أوروبا، آسيا وأمريكا… إلخ، ومثلي مثل باقي الجزائريين بالمهجر، مستعدون لمد بلدنا الأم الجزائر بكل ما تحتاجه من أجل استكمال بنائها رفقة باقي الجزائريين بالداخل، إيمانا منا بوطننا ووفاء لعهد الشهداء.

  • كلمة أخيرة؟

 شكرا لموقعكم الإخباري على هذا الاهتمام، وكل التمنيات لجزائرنا بالتوفيق والازدهار.

حاورته: غزالة. م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق