دولي

الأستاذ “جمال بن كريد” لِـ”كاب ديزاد”: “إذا وصل ترامب إلى الحكم، سيكون فيروس منطقة الشرق الأوسط، همجي في سلوكه ورب عمل في برنامجه”

ينتخب الأمريكيون رئيسهم القادم يوم 5 نوفمبر الجاري، وسط معركة حامية الوطيس بين الرئيس الأسبق “دونالد ترامب” و”كمالا هاريس” نائب الرئيس الحالي لأمريكا “جو بايدن”، في تقاذف للتهم وتجاوز لأخلاقيات الحملة الانتخابية بين الطرفين، وفي ظل الفوضى التي تتصاعد داخل الوسط الأمريكي، والأزمات الدولية المتعددة على رأسها القضية الفلسطينية التي تلهب الشرق الأوسط والعالم، يترقب العالم نتائج الانتخابات التي ستكشف عن أمريكا القادمة في ظل سياسة ترامب المعروفة وبعض المواقف المسجلة للمرشحة “هاريس” في بعض الملفات، على غرار الجالية العربية المتواجدة بأمريكا، الهجرة غير الشرعية، الاقتصاد، الحروب، التكتلات الإقليمية والدولية الجديدة… . 

ولتسليط الضوء على بعض النقاط التي تهم الرأي العام، لاسيما منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، أجرى موقع “كاب ديزاد” حوارا مع الأستاذ بجامعة السوربون “جمال بن كريد” المتخصص في الاقتصاد السياسي، هذا مضمونه:

 

  • ما الذي يميز الحملة الانتخابية الحالية لترامب مقارنة بالحملة السابقة؟

 أولا وقبل كل شيء، لابد من إعطاء نظرة شاملة على النظام السياسي الأمريكي المتمركز على الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

إن خاصية الحملة الانتخابية للمترشح “دونالد ترامب”، هو أنه مقتنع بفوزه على “كمالا هاريس” نائبة الرئيس الحالي لأمريكا “جو بايدن”، لأنه يريد في هذه الحملة الهمجية أن يكون أكثر راديكالية بالنسبة للحملة السابقة، التي كانت ترتكز على برنامج متناقض في الشكل والمضمون.

إن أول خاصية في هذه الانتخابات الرئاسية هي أن “ترامب” قدم برنامجا يؤكد فيه سياسة ليبرالية مطلقة من جهة، ومن جهة أخرى السياسة الخارجية مرتكز على مساندة الأطراف المحافظة في السياسة الخارجية، أي أن “ترامب” له “سياسة شعبوية”، لأنه يريد اتساعا لحدود الدولة الإسرائيلية غير الموجودة، فـ”ترامب” يريد توسيع مساحة الكيان الصهيوني. وبخصوص الحرب الأوكرانية الروسية، فهو يستطيع أن يكون صديقا للسياسة الأوروبية.

إن الاختلاف بين الحملة السابقة والحالية لترامب، هو أن هذه الأخيرة ليست واضحة، لأن سلوك الناخب الأمريكي غير مستقر والحرب في الشرق الأوسط تمثل باحثا أساسيا للاختيار النهائي للمترشح، لأن التجربة بينت أن “ترامب” إنسان خطير ويستطيع أن يكون كارثة على الشعب الأمريكي.

 

  • اعتبر المحللون والمتابعون للشأن الانتخابي، المناظرة بين “ترامب” و”هاريس” أسوء مناظرة في تاريخ الانتخابات الأمريكية، لماذا؟

 أكيد أن المناظرة كانت في مستوى رديء، كما هناك عقم سياسي وبرنامجي حقيقي مفقود، إن المستوى السلبي لهذه المناظرة يؤكد وجود فقر سياسي للمترشحين، لأن أمريكا ليست منبع الفكر السياسي والفكري والعلمي وإنما منبع العنف والكراهية المتداولة في نمط الانتخابات الرئاسية، التي تشكو من ضعف النقاش البنّاء في المجال السياسي. نعم المناظرات السياسية بين المترشحين لم تبلغ المستوى المطلوب، إن الحقيقة البائسة في هذه المناظرات، لها صيغة منحطة وغير بناءة لأنها مكونة من السب والشتم.

 

  • تأتي الانتخابات الأمريكية في ظروف حساسة (توترات إقليمية)، هل سيؤثر ذلك على اختيار الأمريكيين؟

 إن التوترات الإقليمية المشتعلة عبر 3 أبعاد، البعد الحربي في الشرق الأوسط والحرب الأوكرانية الروسية، والبعد الآخر هو البعد الاقتصادي المتمثل في انعطاف القوى الاقتصادية، الصين التي تريد أن تكون لها حق في إدارة الاقتصاد العالمي لمصالحها، والتي تتناقض مع مصالح “ترامب” و”هاريس”، ومن هذا المنطلق نستطيع القول أن هذه الانتخابات تؤثر بشكل مباشر على سلوك الناخب الأمريكي من جهة، وعلى الانتخابات من جهة أخرى، إن اختيار الأسلوب السياسي الذي ينطوي على برنامج المترشحين يبدو محدود المطلق.

 

  • هناك من يُهوّن مشاركة الجالية العربية في هذه الاستحقاقات، هل صحيح تصويت الجالية العربية مثل عدمه؟

 إن الجالية العربية بالولايات المتحدة الامريكية حاليا غير منتظمة وغير مهيكلة سياسيا، كانت أصوات عربية تؤيد الحزب الديمقراطي واليوم الحزب الديمقراطي الذي له السلطة يساند المجازر الإرهابية للكيان الصهيوني.

إن عدمية الجالية من الناحية السياسية يمثل عائقا كبيرا في إيصال الصوت العربي، والناخب العربي يفتش عن بديل للصبغة السياسية الحالية والحملة الهمجية التي تعيشها أمريكا التي تمثل للرأس مال العالمي. إن خبث السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية يؤدي إلى عدمية الصوت العربي في رئاسياتها. 

 

  • “ترامب” وعد بغلق الحدود، بينما “هاريس” تشكل خطرا على الجالية المتواجدة (إصدار قوانين مشددة ضدهم)، من هو المرشح الذي يمثل أقل تعسفا مع العرب هناك؟

 أكيد أن السياسة التعسفية للطرفين تمثل خطرا على الجالية العربية، ومن هذا المبدأ بعض الأطراف تدين السياسة التعسفية لـ”ترامب” وقليل لـ”هاريس”، لأن ضمن الحزب الديمقراطي نواب عرب يعملون على نقد البرنامج الأقل تعسفا للجالية العرب، كونهم عربيو الأصل وثانيا لأن لهم القليل من الأفكار اليسارية التي تمثل أقلية في مجلس الشيوخ والكونغرس.

 

“ترامب” رجل مال واقتصاد يميل حيث تميل كفة أمريكا، وقد أجبر في عهدته السابقة عدة دول على دفع الجزية مقابل استمرار حماية أمريكا لها مثلما رددها في كل مرة، على غرار دول الخليج، أمريكا الجنوبية، اليابان، مقابل استفزازه لإيران وعدة دول أخرى.

  • هل ستتغير سياسة “ترامب” اتجاه هذه الدول في حال وصوله إلى البيت الأبيض؟

 أولا يجب الفصل بين السياسة اليمينية لـ”ترامب” الأصيلة التي يتميز بها، في الحقيقة هو رجل المال الناجح، نجح بكل سهولة في ربح الثراء عن طريق بيع وشراء العقار، من هذا المبدأ نجح وأصبح ثريا ومعروفا في أمريكا. إن نظرته للاقتصاد تتجاوز الليبرالية الكلاسيكية، ففكرته في المجال الاقتصادي هي أنه من الأوائل الذي يراهن أن اقتصاد السوق يجب أن يكون نظاما غير منظم وطبيعة الاقتصاد في أمريكا لها اختيار واحد وهو سياسة اقتصادية مبنية على حرية التبادلات من جهة، ومن جهة أخرى، أمريكا لابد أن تتبع سياسة حمائية، أي لابد أن تحمي اقتصادها والمنتجين والمستهلكين.

أما فيما يخص الجزء الثاني من السؤال، فطبيعي أن “ترامب” يريد كسب المال عن طريق الحماية والهيمنة على الاقتصاد والإنتاج المتمثل في الريع البترولي لدول الخليج، أما البلدان الأخرى فهو يقايض حمايتهم عن طريق دفع المال الضروري لمبدأ الحماية المستدامة.

أما فيما يخص إيران، فترامب يلعب لعبة الشطرنج في الإطار الجيواستراتيجي القائم حاليا في المنطقة.

إن هذه السياسة التي تنبع من مبدأ “اعطني نعطيك”، فهي تمثل أساسا استراتيجيا لسياسة أمريكا، إن حماية أمريكا لمصالح الدول اللاتينية واليابان مهمة، فهي عبارة عن اتفاقيات مبرمة بعد الحرب العالمية الثانية، لأنها انتصرت على المحور وشكلت تكتلات في عدة أقاليم وقارات.

كل الأوضاع تشير أن هناك ديناميكية جديدة في اللعبة الاستراتيجية، والسياسة هي “فن المساومة”، “ترامب” لا يريد سياسة معتدلة، يريد حماية أقلية حزبية ليكون رمزا للولايات المتحدة، إن النظرية الشعبية في السياسة التي تتأقلم مع الواقع تكون في حد ذاتها ديناميكية للسياسة الأمريكية، فهو يستطيع أن يكون رئيسا مزدوج المعايير، همجي في سلوكه ورب عمل في برنامجه.

“ترامب” ظاهرة سياسية تمثل أمريكا الصحيحة وليس أمريكا العز والكرامة. “ترامب” يتبنى الواقع والواقعية في نفس الوقت، وإذا انتخب سيزداد شراسة في هذا المحور ولا يتغير.

 

  • في حال وصل “ترامب” للرئاسة، كيف ستكون العلاقة مع الصين (العملاق الاقتصادي)؟

 إذا وصل “ترامب” إلى الحكم سيدحرج الصين في مساره الاقتصادي المبني على المنفعة الأحادية، ومن هنا نستطيع القول أن الصين لن تنجر في الفضاء الترامبي لأن الصين تريد امتيازات في إطار التبادل الحر.

إن العلاقة بين الصين وأمريكا كانت وستكون دائما متدهورة في الإطار الاقتصادي، لأن مصالح البلدين متناقضة في المبدأين الإيديولوجي والجيوسياسي، إن اقتصاد الصين يستطيع أن ينتعش بغير الإرادة الأمريكية، ولهذا أستطيع أن أؤكد أن في مصلحة “ترامب” أن تكون الصين دائما كيانا ضعيفا.

 

  • القضية الفلسطينية، فشل “بايدن” في وقف الاحتلال، هل سيتمكن “ترامب” من فعلها؟ بعد ضمه سابقا القدس للكيان، وخطر ضم الضفة حاليا، كيف ستكون نهاية هذه القضية المحورية في ضمان السلام العالمي؟

 “ترامب” رجل سياسي معروف بحبه للفاشية الصهيوينة، لم يتردد دقيقة واحدة في إعطاء كل الإمكانيات المتاحة والممكنة لإبادة الشعب الفلسطيني المناضل والمقاوم.

“ترامب” سيكون هو “الفيروس” الذي يهدد الشرق الأوسط بأكمله، اتفاقية “أبراهام” المعروفة بـ”الديانة الإبراهيمية” هي فكرة ومشروع “ترامب” بدون نقاش. تطلعات “ترامب” في المنطقة هي الاستيلاء عليها حتى تكون الدولة العبرية في أمان، واحتكار المنطقة بوجود القوة الأمريكية فقط.

إن نهاية القصة ستكون بين يدي الشعب الفلسطيني الباسل الذي كان وسيكون دائما بالمرصاد للاحتلال الصهيوني، إن المقاومة الفلسطينية، اللبنانية، العراقية واليمينية ستكون محور أساسي في هذه القضية. وتشاؤمي له مبررات عقلانية، لأن مصير القضية الفلسطينية ليس في أيدي الحكام العرب وإنما في الإرادة السياسية لشعوب الأحرار التي تناضل من أجل سلام عادل ودائم في المنطقة.

 

  • الحرب الروسية الأوكرانية، هل ستنتهي بقدوم ترامب؟

 الحرب الروسية الأوكرانية ستنتهي عندما يتوصل الأوربيون وترامب إلى اتفاق محوري لتهميش “زيلنسكي” رئيس أوكرانيا. “ترامب” السياسي الشعبوي يستطيع فقط تمويل أوكرانيا، ومن هذا المبدأ سيضطرون إلى الخروج من هذه اللعبة الجهنمية لأوروبا والإدارة الأمريكية التي ليس لها سياسة عقلانية في هذا المجال، لأن إدارة “بايدن” قد أخفقت في سياستها الحربية. لا ننسى أن الدولة العميقة في أمريكا تستطيع أن تتبنى جدول أعمال يؤهلها للصعود إلى الواجهة، لأن هناك منعطفا تاريخيا يستطيع أن يؤدي إلى حرب أهلية في أمريكا، لأن أغلبية السكان ليس لديهم القدرة على التدخل في السياسة. ومن هذا المبدأ افتراض انتفاضة في داخل الولايات المتحدة الامريكية هي مفترضة ومطروحة.

 

  • ما الذي سيتغير في العلاقات العربية الامريكية؟ والغربية الأمريكية خلال المرحلة القادمة؟

الجواب عن هذا السؤال له بعد ازدواجي، من الناحية النظرية نستطيع القول أن تغير سياستها مع البلدان العربية لأنها هي الممون والمهيمن على الأنظمة العربية التي تخاف على إقصائها من المحافل الدولية، والسيطرة الأمريكية في شتى المجالات تبرهن على أن مصالح الدول العربية ونخبتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقوة الأمريكية.

ولا أظن أن هنالك تغيرا في الأفق، بل إبراز السيادة العربية كدول غير قادرة على إعطاء نفس جديد لسياسة مستقلة عن أمريكا والكيان الصهيوني.

 

  • كيف سيتعامل الرئيس الامريكي القادم مع منظمة “البريكس؟

 سيتعامل الرئيس الأمريكي القادم مع منظمة “البريكس” بطريقة مجمدة وقمعية في نفس الأوان، لأن منظمة “بريكس” تريد إنهاء هيمنة الدول وعقاب الدول التي تريد إنشاء عالم جديد مضاد للعالم الذي يتبنى تعدد الأقطاب. ومن هذا المبدأ أمريكا ورؤيتها الجديدة لا تعطي أية فرصة لهذه المنظمة التي تمثل كابوسا  اقتصاديا وسياسيا وجيوستراتيجيا في إطار العولمة والشمولية التي تريدها.

 

  • من هو المترشح الذي يمكن أن يكون أفضل تعاملا مع منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا؟

 لا يوجد مترشحا يمكنه أن يكون أفضل تعاملا مع منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، لأن كل مترشح يخدم مصالح فئة معينة، وهذه الفئة لا تفكر في النمو والازدهار لهذه المنطقة، الذي يهم المترشحين هو حماية المصالح الأمريكية في شتى المناطق متى استطاع. ليس هناك أية مصداقية لهذه النخبة التي لا تستطيع الإيمان بوجود الغير.

 

  • كيف ترى العلاقات الجزائرية الأمريكية ؟

 العلاقة بين الدولتين الجزائر وأمريكا هي علاقة مزدوجة ومعتدلة في الأفق، ومردّ ذلك أن أوروبا هي الزبون الرئيسي للغاز الجزائري، وأمريكا هي من تهيمن على هذه السوق في أوربا والشرق الأوسط.

وبما أن الجزائر بلد منتج للغاز المميع، تستطيع الاستفادة من غياب روسيا في هذا النطاق، لأن التناقضات المتواجدة من الناحية الجيواستراتيجية المتمثلة في إقصاء الهيمنة الأوربية بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة في الساحل، يعطي أولويات للسياسة الأمريكية التي لا تريد المواجهة مع القوات الروسية الموجودة في إفريقيا وجماعة “فاغنر” خاصة. هناك اتفاقيات استراتيجية بين أمريكا وروسيا، والجزائر لا تستطيع قص أو إلغاء هذه الاتفاقيات، إن ضعف العلاقات بين روسيا والجزائر عن طريق المشكل الأمني في مالي، يعطي فرصة لتطوير العلاقات لتطوير العلاقات بين الجزائر وأمريكا. وفي سياق آخر، النخبة الجزائرية تريد دعم “ترامب” في الخفاء، لأن سياسة ترامب، سياسة تتأقلم مع تطلعات سياسة الاقتصاد الجزائرية، فأمريكا تريد بناء شراكة حقيقية مع الجزائر في مجال الاقتصاد، كما أنه ليس لها مصالح سياسية في المنطقة بل مصالح اقتصادية بحتة.

  •  كلمة أخيرة

 شكرا لموقع “كاب ديزاد” على الاهتمام وبالتوفيق.

 

حاورته: غزالة. م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق