مزاد... كاب ديزاد

2024، سَنَة البصمة الديبلوماسية للجزائر أمميا

شكلت 2024 سنة فارقة في تاريخ الديبلوماسية الجزائرية، بعضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن التي جعلتها تحرك العالم لصالح القضايا التي شغلت الرأي العام وحقوق الإنسان، كما مكنتها من تعزيزُ مكانتِها ودورِها على الصعيدين الإقليمي والدولي، بعملها الدؤوب على زحزحة الملفات العالقة أمميا وإعادة فتح ملفات كادت أن تغلق قبل حلها، كما نجحت في إعادة بعث روح الاتحاد وتوحيد القرارات وتبني المبادرات من طرف مجموعة الدول العشر المنتخبة (E10)، ما مكن من اتخاذ قرارات صارمة وإصدار لوائح أممية كان تأثيرها قويا في مسار القرارات الأممية، بعدما كادت أن تعصف بها سياسة اللامبالاة وعدم احترامها من طرف بعض الكيانات المنتهكة لحقوق الإنسان والمستبيحة لطبيعة البشرية عموما.

حيث كان لهذه المسيرة الديبلوماسية الجزائرية نصيب من خطاب رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون” الذي وجهه منذ يومين للأمة أمام البرلمان المجتمع بغرفتيه، لخص فيه أبرز المحطات البارزة في نشاط الجزائر بالأمم المتحدة ومساعيها الجادة في حشد الأصوات المساندة للقضايا العادلة على رأسها القضية الفلسطينية التي يعمل الكيان على طمس ملفها والقضاء على العرق الفلسطيني نهائيا، كما كان للقضية الصحراوية نصيبها من إعادة بعث ملفها والتعريف بها كقضية استعمار، كما عملت على تقوية الصف الإفريقي داخل مجلس الأمن ومواصلتها المرافعة لأن يكون لإفريقيا مكانة أممية تليق بإمكانياتها ودورها في صنع رفاه القارات وتطورها، بتمثيلٍ دائمٍ بمجلس الأمن الأممي وفي توسيع تمثيلها غير الدائم بذات الهيئة.

فقد نجحت الجزائر في وضع بصمتها أمميا ستشهد عليها الأجيال المتعاقبة، بما تمكنت من تحقيقه ميدانيا، في ظل الحروب والنزاعات والفوضى التي يشهدها العالم، عبر الخيار الديبلوماسي الذي يجنح إلى اعتماد مسار خاص تحت إشراف مباشر لرئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون”، تجسدت ملامحُه التمهيدية في غضون السنوات الثلاث الأخيرة، لاسيما عام 2024، الذي شهد توجهاً خطيراً، بل كارثياً، في العلاقات الدولية، وهو التوجه نحو الإفراط في استعمال القوة كخيارٍ يفرضه القوي على الضعيف دون أن يجد هذا الأخير ملجأً يُنصفه أو دِرْعاً يحتمي به، إرساءِ نَهْجِ انتهاك القانون الدولي، جِهَاراً نَهَاراً، والدَّوْسِ على الشرعية الدولية، دون حسيبٍ أو رقيب، كوسيلةٍ من وسائل تكريس الهيمنة والتجبُّر على الغير، إلى جانب تَحْيِيدِ المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، وإضعافُ دَوْرِها كمظهرٍ من مظاهر تَشَتُّتِ المجتمع الدولي وكعلامةٍ من علاماتِ تَدْشِينٍ عهدٍ جديد عُنوانه الإنطوائية وتغليبُ الذاتية والنزعة الأحادية، وهو ما فرض واقعاً جديداً لم تَسْلَمْ من تَدَاعِيَاتِهِ أَيُّ بُقعةٍ من بِقاع المعمورة، النصيب الأكبر فيها كان من نصيبِ منطقتِنا العربية وقارتِنا الإفريقية.

القضية الفلسطينية… تحقق فوزا أمميا وتُدرِّس الكيان إنسانيا

اتخذت الجزائر منذ وصولها لمنصب عضو غير دائم بمجلس الأمن من القضية الفلسطينية، محور ملفاتها النضالية والحقوقية إلى جانب القضية الصحراوية.

 حيث كان للجزائر دورا فاعلا في كبح الآلة الصهيونية التي تعمل على بث الفوضى وجر منطقة الشرق الأوسط برمتها من رُعبٍ وخرابٍ ودمار يستعصي حصرُ مآلاتِه، وفيما تعيشُه العديدُ من الأقطار العربية من حُروبٍ متفاقمة تُهَدِّمُ كياناتِها الوطنية وتمزق وحدةَ أبنائِها، لنا في كل هذه الأمثلة شواهدُ حية على حجم التحديات الوجودية التي تواجه الأمة العربية في المرحلة الراهنة، بعدما شاءت الأقدار أن تَنْضَمَّ الجزائر كعضوٍ غير دائم لمجلس الأمن في هذا السياق الدولي المُثْقَلِ بالمخاطر والتحديات. وبقدر إدراكها لحساسية الظرف وصعوبة المهمة، فقد أخذت بِلادُنا على عاتِقها أن تُسْهِمَ، ولو بالقدر اليسير، في معالجة القضايا المطروحة أمام هذه الهيئة الأممية المركزية، منذ انضمامها لمجلس الأمن هي وراء جميع المبادرات الهادفة لإبقاء الضوء مسلطاً على القضية الفلسطينية في كل وقت وحين، بل و إنها  وراء العديد من مشاريع القرارات والبيانات لكبح جماح العدوان الإسرائيلي على غزة، بكسر جدار الحصانة التي يحتمي بها الاحتلال الإسرائيلي، وكذا على حتميةِ تعزيز أفق التسوية السياسية للصراع العربي-الإسرائيلي وفق صيغة حل الدولتين المُتوافقِ عليها دولياً، في وقت أعادت طرح ملف العضوية الكاملة لدولة فلسطين بمنظمة الأمم المتحدة على أُسُسِهِ الحقة، كجزءٍ لا يتجزأ من مقتضيات حل الدولتين الذي كرسته الشرعية الدولية لإحلال سلام عادل ودائم ونهائي في منطقة الشرق الأوسط، وأمام تَحَوُّلِ العدوان الإسرائيلي على غزة إلى عدوان أشمل وأوسع، تعددت فيه الوِجْهَاتْ والجَبَهَاتْ لتشمل لبنان، وسوريا، وإيران، واليمن، لم تتوان الجزائر بالتنسيق مع كل هذه الدول الشقيقة في الاضطلاع بواجباتها كاملة بصفتها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن.

الصحراء الغربية… تصفية استعمار لا تقبل الدحض أو النكران

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فالموقف الجزائري، داخل مجلس الأمن وخارجَه، يستمد قُوَّتَهُ من ثوابت تاريخية لا تقبل الدَّحْضَ أو التدليس، وهي الحقائق التي ترتبط تمام الارتباط بكوْنِ القضية الصحراوية قضيةَ تصفيةِ استعمار لم يكتمل مسارُها، وأن الشعب الصحراوي مؤهلاً لممارسة حقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير، والتواجد المغربي على الأراضي الصحراوية احتلالاً دخيلاً مُكْتَمِلَ الأركان لا يُمكن شَرْعَنَتُه، ولا يُمكن فرضُه، ولا يُمكن القبولُ به كأمرٍ محتوم. وهو ما جعل الجزائر ومن ورائها الرئيس “عبد المجيد تبون” تصر أَنَّ أَيَّ صِيغةٍ للحل تتنافى مع هذه الحقائق الثابتة، على شاكلة خرافة الحكم الذاتي، لا تعدو أن تكون تسويفاً، ومماطلةً، ومناورةً مفضوحَةَ النوايا والمآرب، وخلاصتها أن الشعب الصحراوي هو صاحب قضية وصاحب حق وهو مالك أرض.

وعليه فَإِنَّ الأَوْلَى ثُمَّ الأَوْلَى هو التَّوَجُّهُ لصوت هذا الشعب واستشارةُ مُمثليه، عِوَضَ اسْتِجْدَاِء الدَّعْمِ في كل أرجاء المعمورة لخطةٍ لم تُعْرَضْ يوماً على تقدير من هُوَ أَوَّلُ المعنِيِّينَ بها، الشعب الصحراوي، وهو الشعب الذي، وبعد قُرَابَةِ نصف قرنٍ من معاناة الاحتلال، لم تَضْعُفْ عَزٍيَمَتُه، ولم تَخْبو إرادَتُه، ولم يتزعزع إصرارُهُ على استرجاعِ حقوقهِ كاملةً غير منقوصة.

 

 لأول مرة… مجموعة (E10) تبادر بمشاريع قرارات مشتركة

ولأن الجزائر تؤمن بقوة الاتحاد وتوحيد الأفكار والالتفاف حول القضايا والمشاريع واتخاذِ القرارات عن قناعة، فقد دأبت منذ وصولها إلى عضوية مجلس الأمن إلى العمل على اقتراح إيجابية تساهم في رَأْبِ التَصَدُّعَاْت والانقاسامات بين الأعضاء الدائمين داخل مجلس الأمن. وقد نجحت الجزائر إلى حَدٍّ بعيد في هذا المسعى، وذلك عبر المساهمة في توحيد صوتِ وتأثيرِ مجموعة الدول العشر المنتخبة (E10). فلأول مرة في تاريخ مجلس الأمن، صارت هذه المجموعة، التي تمثل الطيف الأوسع للمجموعة الدولية، تبادر بمشاريع قرارات مشتركة، حيث كانت نقطة الانطلاق مع مشروع القرار الذي قدمته الجزائر بداية هذا العام حول القضية الفلسطينية.

وهي المبادرة الجزائرية التي تَلَتْهَا مبادراتٌ أخرى أثبتت كُلُّهَا قُدْرَةَ مجموعةِ العشرة، أو مجموعة الدول المنتخبة، على تقريبِ وجهاتِ النظر وعلى مَدِّ جسور التواصل والتفاهم بين الدول دائمة العضوية بالمجلس بهدف بلورةِ حلولٍ توافقية تُرضي الجميع، وتُعلي راية الصالح العام، وَتَخْدُمُ السلمَ والأمنَ الدوليين.

افريقيا تعزز دورها بمجلس الأمن

منذ عضوية الجزائر بمجلس الأمن، عملت على تفعيل الدور الافريقي في معالجة القضايا التي تنهك دوله، من خلال التعليماتُ الواضحة التي أسداها رئيس الجمهورية، “عبد المجيد تبون”، منذ اليوم الأول، وهي التعليمات التي كانت ولا تزال تُشكل خارطة طريقٍ لعهدةِ الجزائر بمجلس الأمن.

حيث تواصل الجزائر معالجة ما تعيشُه منطقة الساحل الصحراوي من تراكم الأزمات ومن تعاظُم التدخلات الخارجية، ومن تَوَسُّعِ رُقعة الفقر والحرمان، ومن استشراء آفة الإرهاب والتطرف العنيف، وفيما تعيشه باقي المناطق الإفريقية من تفشي الاضطرابات والانقسامات، أبلغُ أدِلةٍ على ما أصابَ قارتَنا جَرَّاءَ الاستقطابات المشهودة على الساحة الدولية، وقد عكفت الجزائر على تقوية الصف الإفريقي داخل مجلس الأمن، في إطار الكتلة الإفريقية التي تتميز عن غيرها من أعضاء المجلس بكونها تُعبِّرُ عن مواقفَ قارية، لا مواقف وطنية صرفة. وهو ما جعل الجزائر توجه تركيزها حول موضوع مكافحة الإرهاب في إفريقيا، وذلك عبر تنظيم اجتماع وزاري لمجلس الأمن للتداول حول امتداد آفة الإرهاب وانتشارها في ربوع قارتنا، خاصةً وأن هذه الآفة أصبحت تمثل في أيامنا هذه التهديدَ الأبرز والأكبر لأمن واستقرار الدول الإفريقية.

يذكر أن الجزائر تعمل جاهدة على دعم القضايا العادلة وجعل الأمم المتحدة فضاء مساواة للدول، لاسيما بعد نجاح نضالها الذذ إستمر لمدة 6 أشهر في سرية في قنص الموافقة على أحقية جميع الأعضاء في الاطلاع على الوثائق بمجلس الأمن، بعدما كانت هناك وثائق تصنف في خانة السرية ممنوعة على الدول غير الدائمة العضوية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق