Capdz بالعربي

ذكرى تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة … من صوت الرصاص إلى صوت الدبلوماسية

م ر

 

تحتفل الجزائر يوم الغد بالذكرى ال 67 لتأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ، و هي لحظة مفصلية و حاسمة في مسار التحرر الوطني .

في مثل يوم 19 سبتمبر من عام 1958، أعلن قادة الثورة الجزائرية عن تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، في خطوة تاريخية جريئة قلبت موازين الصراع مع الاستعمار الفرنسي، ووضعت القضية الجزائرية على خارطة السياسة الدولية.

بعد أربع سنوات من اندلاع ثورة التحرير، أدركت قيادة جبهة التحرير الوطني أن الكفاح المسلح وحده لا يكفي، وأنه لا بد من إطار سياسي يمثل صوت الجزائر في المحافل الدولية، فجاء تأسيس الحكومة المؤقتة كاستجابة لتلك الحاجة، وكمحاولة لكسر ادعاءات فرنسا بأنها لا تجد طرفا جزائري للتفاوض معه.

فرحات عباس، أول رئيس للحكومة المؤقتة، أعلن في بيانها التأسيسي أن الهدف الأسمى هو تحقيق الاستقلال واسترجاع السيادة المغتصبة، عبر تشكيل هيئة دبلوماسية تمثل الجزائر، وإقامة علاقات دولية، وإرغام فرنسا على الاعتراف بالواقع الجديد.

لم يكن وقع الإعلان داخليا فقط، بل لقي ترحيبا واسعا من الدول العربية ومعظم دول آسيا وإفريقيا، التي سارعت إلى الاعتراف بالحكومة المؤقتة، مما عزز شرعية الثورة الجزائرية على الساحة الدولية، أما الشعب الجزائري، فقد استقبل هذا الحدث بفرح عارم، وأطلق عليه “عيد الجمهورية”، تعبيرا عن الأمل في قرب النصر.

جاء تأسيس الحكومة المؤقتة في لحظة حرجة، حيث كانت الثورة تواجه حصاراً عسكريا خانقا على الحدود، ومحاولات فرنسية للقضاء عليها، لكن هذه الخطوة السياسية أعادت الزخم للثورة، وفتحت آفاقا جديدة للدبلوماسية الجزائرية، التي لعبت دوراً محوريا في كسب التأييد الدولي للقضية.

بعد 67 عاما، لا تزال الحكومة المؤقتة تمثل رمزا للعبقرية السياسية للثورة الجزائرية، ودليلا على أن التحرر لا يُصنع بالسلاح وحده، بل أيضا بالحكمة، والتخطيط، والقدرة على فرض الذات في عالم لا يعترف إلا بالقوة والشرعية.

في هذه الذكرى، نستحضر تضحيات أولئك الذين آمنوا بأن الجزائر تستحق أن تكون دولة مستقلة، وأن صوتها يجب أن يُسمع في كل مكان، إنها لحظة لتجديد العهد مع قيم الثورة، وللتأكيد أن الاستقلال لم يكن منحة، بل ثمرة نضال طويل وشاق.

في لحظة فارقة من مسيرة الثورة، انتقلت القضية من صدى البنادق في الخنادق إلى أروقة الدبلوماسية في المنابر الدولية، لم يكن هذا التحول وليد الصدفة، بل نتيجة حتمية لنضج سياسي فرضته الحاجة إلى الاعتراف، الدعم، والتأثير في الرأي العام العالمي،وهنا برز دور الحكومة المؤقتة كأداة استراتيجية أعادت تشكيل وجه الثورة.

و لقد كانت الثورة في بدايتها صوتا شعبيا غاضبا، يتجسد في مظاهرات، عصيان مدني، ومواجهات مسلحة، لكن مع تعقّد المشهد الداخلي وتزايد الضغوط الدولية، ظهرت الحاجة إلى جسم سياسي يمثل الثورة أمام العالم، و لم يكن تأسيس الحكومة المؤقتة مجرّد خطوة تنظيمية، بل إعلان بأن الثورة لم تعد فقط صراعا داخليا، بل قضية ذات بعد دولي، لتصبح المنابر الدولية ساحة جديدة للثوار.

و بمجرد تشكيل الحكومة المؤقتة، بدأت الوفود تتنقل بين العواصم، تُجري لقاءات مع مسؤولين، وتشارك في مؤتمرات دولية، و أصبح للثورة صوت في الأمم المتحدة، في الاتحاد الأوروبي، وفي المنظمات الحقوقية، و لم يكن هذا الحضور رمزيًا فقط، بل ساهم في كسب الاعتراف الدولي بشرعية مطالب الثورة، و فضح الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الجزائري الأبيّ.

و مع دخول الحكومة المؤقتة على الخط، تغيّر الخطاب الثوري من شعارات شعبية إلى بيانات سياسية مدروسة، و أصبح الحديث عن الحرية مقرونا بمفاهيم  الانتقال الديمقراطي، العدالة الانتقالية، وبناء المؤسسات،  و ساعد هذا التحول في كسب ثقة المجتمع الدولي.

الحكومة المؤقتة لم تكن مجرد واجهة سياسية، بل كانت نقطة تحول في مسار الثورة، من الخنادق التي حملت صوت الغضب، إلى المنابر التي نقلت هذا الصوت إلى العالم، وأعادت الحكومة المؤقتة تعريف الثورة، وفتحت أمامها آفاقًا جديدة نحو التغيير الحقيقي.

في مثل هذا التاريخ نطقت الثورة باسم الدولة ، فهو اليوم الذي أصبحت فيه الثورة دولة ، حيث مرت 67 سنة على تأسيس أول حكومة جزائرية ، و هي اللحظة التي قلبت موازين التاريخ ، أين غيّرت الحكومة المؤقتة وجه الثورة، من  الخنادق إلى المنابر الدولية، فمن رحم الثورة ولدت الدولة ، دولة الجزائر الأبيّة السيدة المنتصرة.