روبورتاج: جميلة م
تعد ولاية وهران واحدة من أهم الأقطاب الوطنية الرائدة في مجال الصيد البحري وتربية المائيات، وهي اليوم تكثف جهودها لتفعيل مفهوم الاقتصاد الأزرق ،و تعزيز مكانتها كإحدى الولايات الرائدة في مجال الاقتصاد الأزرق، من خلال المشاريع المنجزة والتعاونيات الناشئة والدعم المؤسساتي المستمر.
فخلال السنوات الأخيرة، شهدت الولاية قفزة نوعية في الاستثمارات البحرية وتنظيم النشاط المهني، ما ساهم في بروز ديناميكية جديدة تهدف إلى تنويع الاقتصاد المحلي وتعزيز الأمن الغذائي من المنتجات البحرية. ويأتي ذلك في سياق وطني تسعى فيه الجزائر إلى جعل الثروة المائية والبحرية أحد المحاور الاستراتيجية لتحقيق السيادة الغذائية وتقليص التبعية للاستيراد.
تعاونيات مهنية بموانئ وهران وأرزيو وكريشتل
وفي هذا السياق ، أكد مدير الغرفة، ” حمري عبد الباسط” في حديثه ل”كاب ديزاد” أن الجهود المبذولة محليا بدأت تؤتي ثمارها من خلال إنشاء تعاونيات مهنية، و مرافقة مشاريع تربية المائيات، وتفعيل التحفيزات الموجهة للمستثمرين في هذا القطاع الحيوي.
واعتبر حمري, أن من أبرز ما تحقق خلال الفترة الأخيرة هو تأسيس 5 تعاونيات مهنية للصيد الساحلي على مستوى موانئ وهران، أرزيو، وكريشتل.
وأوضح أن هذا النظام الجديد للتعاونيات يهدف إلى تنظيم وتأطير عمل مهنيي الصيد البحري، وتمكينهم من تسيير شؤونهم بأنفسهم على مستوى الموانئ، بما يحقق مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف:“هذه الخطوة تندرج في إطار سياسة تشاركية بين الدولة والمهنيين، وتهدف إلى تقليص مصاريف التسيير وتحسين مردودية الصيادين، التعاونيات تسمح لهم بإدارة تجهيزاتهم وعمليات الصيد بشكل جماعي ومنظم، وهو نظام أثبت نجاحه في عدة دول تملك خبرة واسعة في تسيير قطاع الصيد البحري.”
ويرى حمري أن هذه التجربة، التي ما تزال في طور التحقق العملي على مستوى الموانئ، ستمثل نقلة نوعية في تسيير النشاط البحري، من خلال تعزيز روح التعاون بين المهنيين وتسهيل وصولهم إلى التمويلات والخدمات اللوجستية.
مشاريع واعدة في مجال تربية المائيات
تعمل غرفة الصيد البحري وتربية المائيات بوهران على ترجمة التوجه الوطني الرامي إلى بناء اقتصاد أزرق متنوع ومستدام.
ويشمل هذا التوجه دعم الاستثمارات في مختلف فروع الأنشطة البحرية، لا سيما تربية المائيات، سواء في البحر أو في المياه العذبة، وهي مجالات تشهد توسعا متزايدًا بفضل الدعم التقني والتكويني المقدم من الغرفة.
إنتاج وهران التربية المائيات بالأرقام
حسب تصريحات مدير الغرفة، تحصي وهران خمسة مشاريع نشطة في مجال تربية المائيات البحرية، خاصة في تربية الأسماك داخل الأقفاص العائمة، بطاقة إنتاج تقدر بحوالي 650 طن سنويا.
كما تعرف الولاية نشاطا متزايدا في تربية وإنتاج المحار “ليمون”، بقدرة إنتاج تبلغ 222 طن للمؤسسة و200 طن لأخرى، وهي مشاريع دخلت فعليا مرحلة الإنتاج وتسهم في دعم السوق المحلية والتصدير.
واكد حمري أن هذه المشاريع لم تات من فراغ، بل جاءت نتيجة مرافقة ميدانية دائمة من الغرفة، بالتنسيق مع المعهد التكنولوجي للصيد البحري وتربية المائيات، من خلال تنظيم دورات تكوينية وتأهيلية متخصصة في تربية المائيات البحرية، تسيير المزارع العائمة، وإنتاج الأعلاف.
و قال في هذا السياق “نحرص على تكوين جيل جديد من المستثمرين في تربية المائيات، من خلال برامج تكوين عملية تؤهل الشباب والمستثمرين لولوج هذا القطاع وفق المعايير الحديثة في التربية، التغذية، والمراقبة البيئية”،
وتشمل هذه المرافقة تنظيم دورات تكوينية متخصصة في تربية المائيات المدمجة مع الفلاحة (الزراعة السمكية).
تربية المائيات البحرية وتسيير مزارع الأقفاص العائمة.
إنتاج الأعلاف الخاصة بالمائيات وتطوير بدائل محلية مستدامة.
تربية المائيات في المياه العذبة: تنويع واستدامة
لم يقتصر النشاط على البحر، بل شمل كذلك مشاريع مهمة في تربية المائيات في المياه العذبة، وهي مشاريع ذات بعد مزدوج: غذائي وبيئي.
ومن بين هذه المشاريع، ذكر حمري وجود مفرخة لإنتاج صغار سمك البلطي بقدرة إنتاج تصل إلى 250 ألف يرقة سنويا، إلى جانب إنتاج يومي يقدر بـ 25 كلغ من الأعلاف.
كما توجد مؤسسة لتربية المائيات ببوتليليس بطاقة إنتاجية تصل إلى 40 طن سنويا، دخلت الخدمة فعليا، وتعمل داخل بيوت بلاستيكية مجهزة للتحكم في درجة الحرارة وظروف التربية.
في المقابل، يوجد مشروع آخر بـ حاسي بونيف لإنتاج صغار الأسماك وتسمينها بطاقة 20 طن في السنة.
ويؤكد مدير الغرفة أن هذه المشاريع تمثل نواة حقيقية لمنظومة إنتاجية متكاملة، تسعى الغرفة إلى مرافقتها من حيث التكوين، المتابعة التقنية، وربطها بالأسواق.
نحو انتاج 200 الف وحدة من صغار السمك في مشاريع تربية مائيات المدمجة مع الفلاحة
وفي إطار استغلال أمثل للموارد المائية، تم خلال سنة 2024 إحصاء ستة أحواض فلاحية كبيرة تمت تهيئتها لتربية المائيات المدمجة مع الفلاحة، وهي تجربة جديدة تهدف إلى دمج تربية الأسماك ضمن النشاط الزراعي لتحسين الإنتاج المائي والنباتي في آن واحد.
كما شهدت سنة 2025 استزراع حوضين عملاقين تابعين لوحدة إنتاج فلاحية بعشرين ألف وحدة من صغار السمك في المرحلة الأولى، ضمن برنامج طموح يهدف إلى بلوغ 200 ألف وحدة.
وأوضح حمري أن هذه المشاريع المدمجة تبرز الجانب البيئي والاقتصادي في آن واحد، إذ تساهم في ترشيد استغلال المياه وتحسين مداخيل الفلاحين، مؤكدا أن النتائج الأولية مشجعة جدا.
تحفيزات مالية وضريبية لجذب المستثمرين
ولأن الاستثمار لا يمكن أن يزدهر دون دعم وتشجيع، فقد أشار مدير الغرفة إلى أن الدولة وفرت جملة من التحفيزات المالية والضريبية الخاصة بالمستثمرين في مجال تربية المائيات.
فقد تم تخفيض الضريبة على صغار السمك والأعلاف إلى 9%، في حين لا تتجاوز الحقوق الجمركية 5% بالنسبة لمستوردي أصناف الأسماك المخصصة للتربية مثل “الدرات” أو “القجوج الملكي”.
أما بالنسبة لاستغلال المساحات البحرية أو الأرضية، فقد نصّ قانون المالية على امتيازات معتبرة، حيث لا تتعدى الإتاوة المطبقة على الأراضي دينار واحد للمتر المربع، بينما تحدد إتاوة المساحات البحرية بـ1800 دينار للهكتار، وتنخفض إلى 500 دينار ابتداء من الهكتار السادس، وهي مبالغ رمزية تهدف إلى تشجيع الاستثمار.
وفي مجال تربية المائيات في المياه العذبة، يستفيد المنتجون من علاوة تقدر بـ50 دينار عن كل كيلوغرام من السمك المنتج (خاصة أنواع البلطي الأحمر والنيلي)، للمشاريع التي يتجاوز إنتاجها 400 كلغ سنويا،
الغرفة كمحرك أساسي للتنمية الزرقاء
يرى حمري أن الدور الذي تلعبه الغرفة الولائية يتجاوز مجرد المرافقة الإدارية، لتتحول إلى فاعل اقتصادي حقيقي في تنمية الاقتصاد الأزرق المحلي.
فهي تعمل على ربط المستثمرين بالهيئات التقنية والمالية، وتوفير التكوين المستمر، فضلا عن تشجيع البحث والتطوير في مجالات التغذية المائية والتربية المستدامة. مومنة ان الاقتصاد الأزرق ليس مجرد مفهوم بيئي، بل هو مستقبل التنمية الاقتصادية بوهران والجزائر عموما، لما يوفره من فرص عمل، إنتاج غذائي، وتصدير.” هدفنا هو جعل من وهران قطبا وطنيا في تربية المائيات والصيد المستدام”، يصرّح حمري بثقة.
وبينما تواصل الغرفة الولائية للصيد البحري وتربية المائيات مرافقة المهنيين والمستثمرين، تتجسد رؤية شاملة لاقتصاد متنوع ومستدام، يقوم على الاستثمار، الابتكار، والمسؤولية البيئية.