م ر
أثبتت الجزائر مجددا ريادتها في الدفاع عن القضية الصحراوية، بإفشالها لمحاولة تقويض جوهرها في أروقة الأمم المتحدة.
و في لحظة دقيقة من عمر النزاع الصحراوي، أكدت الجزائر مرة أخرى أنها ليست مجرد طرف مراقب، بل فاعل محوري في الدفاع عن الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، فقد تصدّت بحزم لمحاولة خطيرة كانت تهدف إلى تفريغ القضية الصحراوية من مضمونها السياسي والقانوني، عبر تقليص ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) إلى ثلاثة أشهر فقط، في خطوة كانت ستُكرّس عمليا خيار الحكم الذاتي المغربي.
هذا التحرك، الذي تم الترويج له خلسة داخل أروقة مجلس الأمن، كان من شأنه أن يُجهز على مبدأ الاستفتاء الذي أُقرّ سنة 1991 كحل عادل ونهائي للنزاع، لكن الجزائر، بقيادة دبلوماسيتها النشطة وبقيادة رئيسها السيد عبد المجيد تبون، تحركت بسرعة وفعالية، مستندة إلى شرعية تاريخية ومبدئية لطالما ميّزت مواقفها تجاه قضايا التحرر وتصفية الاستعمار.
لقد أثبتت الجزائر، مرة أخرى، أنها ليست فقط صوتا داعما للشعوب المستضعفة، بل أيضا حصنا منيعا ضدّ محاولات الالتفاف على القانون الدولي، فموقفها لم يكن مجرد رد فعل، بل تجسيد لمبدأ ثابت في سياستها الخارجية، نابع من تجربتها النوفمبرية في مقاومة الاستعمار، ومن التزامها التاريخي بدعم حركات التحرر في إفريقيا والعالم.
إن إحباط هذه المحاولة لم يكن مجرد انتصار دبلوماسي، بل رسالة واضحة بأن الجزائر لن تسمح بتصفية القضية الصحراوية عبر حلول وهمية أو مناورات سياسية، كما أنه أعاد التأكيد على أن الحلّ العادل والدائم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره.
في ظل هذا السياق، تبرز الجزائر كقوة دبلوماسية إقليمية ذات مصداقية، قادرة على التأثير في موازين القوى داخل المحافل الدولية، والدفاع عن المبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة، فجزائر الشهداء ليست فقط حامية للقضية الصحراوية، بل أيضا حامية للشرعية الدولية في وجه محاولات التلاعب والتأويل.
وبينما تستمر بعض الأطراف في الدفع نحو حلول جزئية أو مفروضة، تبقى الجزائر صامدة في موقفها، مدافعة عن حق الشعوب في الحرية، وعن إفريقيا خالية من الاستعمار، وعن عالم أكثر عدلا وإنصافا.
موقف الجزائر ليس مجرد شعار دبلوماسي، بل هو امتداد طبيعي لتاريخ طويل من النضال ضد الاستعمار، وتجسيد لروح نوفمبر التي لا تزال تنبض في وجدان الدولة الجزائرية.