Capdz بالعربي

العوامل السوسيونفسية وبناء جاهزية التلميذ للامتحان: من التوتر والضغط إلى التفوّق والنجاح

الدكتورة مريوة حفيظة  كلية العلوم الاجتماعية قسم علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا جامعة وهران 2 

تُعد فترة الامتحانات مرحلة محورية في مسار التلميذ الدراسي، إذ تتجاوز كونها مجرد اختبار معرفي لتصبح تجربة شاملة تتداخل فيها الأبعاد النفسية والاجتماعية والثقافية. فالتلميذ لا يواجه الامتحان بمعزل عن محيطه؛ بل يحمل معه توقعات أسرته، مقارنات الأقران، وصورته الذاتية التي تكونت عبر سنوات من التعلم والتجارب الاجتماعية.

في هذا السياق، تبرز أهمية دراسة العوامل السوسيونفسية، أي التفاعلات بين النفس الفردية والبيئة الاجتماعية، لفهم جاهزية التلميذ للامتحان. فالتوتر والضغط النفسي ليسا مجرد عقبات، بل يمكن تحويلهما إلى محركات للتفوق إذا توفرت أدوات الدعم النفسي والثقافي والاجتماعي المناسبة.

ويطرح السؤال المركزي: كيف تسهم العوامل السوسيونفسية في تعزيز قدرة التلميذ على مواجهة التحديات ؟ وكيف يمكن للأسرة والمدرسة والمجتمع أن يدعموا هذا التحول من القلق إلى الأداء المتميز؟

دراسة هذه العلاقة تسلط الضوء على التفاعل بين رأس المال الثقافي والنفسي وفق بورديو، وبين كيفية إدارة التلميذ لصورة ذاته الاجتماعية وفق غوفمان، وهو ما يشكل أساس بناء جاهزية امتحانية متكاملة.

رأس المال الثقافي والنفسي وتأثيره على أداء التلميذ

تشير مقاربة بورديو إلى أن نجاح التلميذ لا يعتمد على القدرات الفردية فقط، بل يرتبط بما يمتلكه من رأس مال ثقافي: اللغة، أساليب التفكير، مهارات التعلم، والمعارف المكتسبة داخل الأسرة والمدرسة. هذا الرصيد يساعد التلميذ على فهم التعليمات، تنظيم وقته، وتطبيق استراتيجيات فعالة أثناء المذاكرة والامتحانات.

إلى جانب ذلك، يمتلك التلميذ ما يمكن تسميته رأس مال نفسي، الذي يعزز ثقته بنفسه، وقدرته على مواجهة التوتر والضغط، وتحويل القلق إلى طاقة إيجابية. كلما كان رأس المال الثقافي والنفسي أكبر، زادت جاهزية التلميذ لمواجهة الامتحانات بثبات وفاعلية.

الامتحان كمسرح اجتماعي: إدارة الانطباعات والتوتر

وفق مفهوم غوفمان عن المسرح الاجتماعي، يقدم التلميذ نفسه أمام الأسرة والمدرسة والأقران بطريقة تحافظ على صورته الاجتماعية. في فترة الامتحانات، يسعى التلميذ للظهور بمظهر الجاد والمنضبط، حتى لو كان داخليًا يعاني من القلق.

يزداد الضغط عندما تتداخل توقعات الآخرين مع شعور التلميذ بقيمته الذاتية، فالمقارنات أو الخوف من خيبة الأمل يمكن أن يزيد من التوتر ويضعف الأداء. وهنا يتضح أن الامتحان ليس اختبارًا معرفيًا فقط، بل اختبارًا للهوية الاجتماعية وإدارة الانطباعات أمام الآخرين.

دور الأسرة في دعم الجاهزية: إعادة الإنتاج الثقافي وإدارة الواجهة الاجتماعية

تلعب الأسرة دورًا مزدوجًا في بناء الجاهزية الامتحانية:

1. إعادة إنتاج رأس المال الثقافي: من خلال تزويد التلميذ بالمهارات التعليمية، القيم الدراسية، وطرق التعامل مع المعرفة.

2. دعم واجهة الأداء الاجتماعي: كما يشرح غوفمان، عبر تعزيز الثقة والهدوء النفسي، أو عبر الضغط والمقارنة، مما ينعكس على مستوى التوتر والجاهزية.

كلما وفرت الأسرة بيئة داعمة ومستقرة، أصبح التلميذ أكثر قدرة على مواجهة الضغوط وتحويلها إلى دافع للتفوق.

التلميذ كفاعل: تحويل التوتر والضغط إلى التفوّق والنجاح

لا يُعد التلميذ مجرد متلقٍ سلبي، بل فاعل رئيسي في تفاعله مع العوامل السوسيونفسية. فعندما يمتلك رأس مال ثقافي ونفسي مناسبًا، وبيئة داعمة، يستطيع:

– ضبط القلق النفسي أثناء الامتحان.

– تنظيم الوقت والمذاكرة بفعالية.

– استثمار الضغوط لتعزيز التحفيز الذاتي.

وبذلك يتحول الامتحان من تهديد محتمل إلى فرصة لإثبات القدرات وتحقيق التفوق والنجاح.

توصيات عملية للتحضير النفسي للتلميذ قبل الامتحان

1. إدارة الوقت وتنظيم المذاكرة

وضع جدول يومي متوازن بين الدراسة، الراحة والنوم.

تقسيم المواد إلى وحدات صغيرة لتسهيل التركيز والاستيعاب.

2. تقنيات التعامل مع التوتر والضغط

ممارسة تمارين التنفس والاسترخاء.

التركيز على النجاحات السابقة لتعزيز الثقة بالنفس.

3. الدعم الأسري والتشجيع الإيجابي

تجنب المقارنات أو الضغط المفرط.

تشجيع التلميذ على التعبير عن مشاعره تجاه الامتحان.

4. التدريب على الامتحانات التجريبية

حل اختبارات سابقة لتعويد التلميذ على أسلوب الأسئلة وإدارة الوقت.

5. التحفيز الذاتي

تحديد أهداف صغيرة قابلة للتحقيق.

مكافأة النفس بعد إنجاز كل مرحلة من الدراسة.

6. الاعتناء بالصحة الجسدية والنفسية

الحفاظ على النوم الكافي، التغذية الصحية، وممارسة الرياضة.

يتضح من خلال المقاربة السوسيونفسية أن جاهزية التلميذ للامتحان ليست مجرد استعداد معرفي، بل نتاج تفاعل معقد بين البعد النفسي، رأس المال الثقافي، والبنية الاجتماعية المحيطة به. فالأسرة والمدرسة يوفران الموارد الثقافية والدعم النفسي، بينما يواجه التلميذ تحديًا إضافيًا يتمثل في تقديم ذاته اجتماعيًا أمام الآخرين وإدارة التوتر والضغط.

عندما تتوفر هذه العناصر، لا يصبح الامتحان تهديدًا، بل فرصة لنمو شخصية التلميذ، تعزيز ثقته بنفسه، وتنمية قدرته على التحفيز الذاتي والانضباط الذهني. التحضير النفسي والاجتماعي يتحول هنا إلى رافعة للتفوق، حيث يتحول القلق إلى دافع والإجهاد إلى فرصة لتطوير مهارات مواجهة التحديات.

بهذا المعنى، يمكن اعتبار الامتحانات مساحة لإثبات الكفاءة النفسية والاجتماعية بجانب المعرفية، وفرصة لصقل شخصية التلميذ وبناء جاهزيته المستقبلية في الحياة الأكاديمية والمهنية على حد سواء.

“بالتركيز والإرادة.. النجاح حليفك!”