تعودنا على الحرص على أولادنا ليدرسوا، ويحققوا نتائج مقبولة، لكننا لم نحرص عليهم يوما من أجل المطالعة، وتحبيب القراءة لديهم.
يتعلم الطفل الكتابة والقراءة، فنصر على أن يكون تلميذا نجيبا بالمدرسة، ليصبح من النخبة مستقبلا، ونمنحه الوقت اللازم وربما أكثر ليمارس اللعب في الشارع ويتسكع، وفي أيامنا هذه، فقد عوضت اللوحات الالكترونية (طابلات) والهواتف الذكية الشارع، فتجد الطفل يحمّل ألعاب الفيديو، ويقوم بجولات لعب افتراضية مع أشخاص من مختلف بقاع العالم، دون أن تجمعهم لقاءات بأرض الواقع، فقط الأصوات عبر الجهاز الذكي. والغريب أن كل هذه الألعاب لا تخلو من العنف والقتل والفوضى والسيطرة على العقل، حتى تحولت إلى إدمان يصعب الابتعاد عنه، وقد تجد الطفل يعي وشاطر في أدائها، مقارنة بوالديه أو أفراد عائلته الذين يصنفون في خانة “المتعلمين، بالغين…”، لكنهم لا يحسنون حتى الدخول إلى تطبيق اللعبة، فمابالك بإتقان مهارة اللعب.
في الماضي، كان الطفل يلعب خارج البيت، ينام على قصص وحكايات، وعندما يكون يدرس، يطالع قصص كتب دراسته، أو يستعيرها من مكتبة مدرسته أو يشتريها إذا كانت له فرصة للحصول عليها، فكان الفرد ينمو وعقله ينمو ويتسع للأفكار والدروس الحياتية الواقعية، لا تكنولوجيا ولا فضائيات ترويج العنف والانسلاخ من التقاليد والأعراف، فيصبح الفرد ناضجا وهو في سن صغير، فيصبح على اطلاع على ما يجري ويعيش تحديات الحياة بقوة وعزيمة، استخلصها من القصص التي مرت على عقله عندما يقرأ الكتب، ويصبح يتحدى نفسه لإثبات وجوده وشخصيته، عبر محاكاة الأبطال شخصيات القصص أو تجنب تصرفات وقرارات الضعفاء الذين فشلوا في أدوارهم بالقصص.
اليوم، البلاد تعج بالمكتبات، وتقريبا كل حي يوجد به مكتبة، ورغم توفر الكتب والقصص لكل الفئات العمرية، ومختلف المجالات، إلا أن العناكب تغلف أدراجها، بسبب إحجام الأشخاص خاصة الشباب والأطفال عن التردد عليها، وصفحات الكتب ملتصقة لعدم فتحها لفترة طويلة. وبدل أن تجد الأطفال بقاعات القراءة أو المطالعة بتلك المكتبة، تجدهم بالشارع أمام بابها يلعبون ويتبادلون وابل السب والشتم، وأكثر من هذا قفزتهم إلى ما هو أخطر وهو دخول عالم المخدرات والممنوعات. وحتى لو ناقشتهم، ستجدهم بعقول فارغة لا ثقافة ولا اطلاع، لأنهم مشحونون بلغة العنف والفوضى المصدَّرَيْن عبر الألعاب الإلكترونية. والسبب ليس الأطفال بل تخلي أولياءهم عن دورهم الحقيقي، وتغاضيهم عن تراجع مستوى الوعي لديهم ونقص للآداب والتربية والأخلاق، وافتخارهم غير المبرر بقوة تحكم أولادهم في ألعاب الفيديو، وهو ما بدأ في ظهور جيل غير مسؤول، لا يفكر بعمق ولا يهمه الماضي والتاريخ، وإنما يبحث فقط عن ما يجعله سعيدا في يومياته والظهور بمظهر لا يحرجه أمام أترابه، وإن كانت بعض المظاهر لا علاقة لها بتقاليد وأعراف مجتمعنا.
فهل سيستيقظ الأولياء من سباتهم، ويتفطنون إلى قاعدة تربية أولادهم وبناء شخصيتهم بطريقة صحيحة وغير مهزوزة، بجعلهم مدمنين على المطالعة وممارسة الأنشطة التثقيفية التوعوية، وتحويل اهتمامهم من ألعاب العنف، القتل والتغريب عبر الأجهزة الذكية، باستغلالها في الاطلاع والمطالعة عبر التطبيقات الإلكترونية، وتعلم اللغات… ؟!.
فالعالم مبني على الوعي والتعليم، والمعرفة والترفيه.
بقلم: وردة. ق