وطني

17 أكتوبر 1961 يوم تطهر نهر السين بالدماء الجزائرية الطاهرة

Hi
تنظم اليوم في حدود الساعة 11:00 دقيقة صمت ترحما على شهداء أحداث 17 أكتوبر 1961 بجميع مؤسسات الجمهورية، بما فيها المؤسسات التربوية إيذانا بإحياء “اليوم الوطني الهجرة” وإعادة فتق جرح غائر في الذاكرة الوطنية يأبى النسيان.
تعود ذكرى “مجازر ومظاهرات 17 أكتوبر1961″، في  ذكراها ال61 المرتبط باليوم الوطني للهجرة، وهو اليوم الذي يبقى شاهدا على التضحية والخدمات الجليلة، التي قدمتها “الجالية الجزائر المهاجرة في فرنسا” للثورة الجزائرية العظيمة.
تتزامن ذكرى أليمة في الذاكرة الوطنية مع مرحلة تغيرات جديدة، تشهدها الجزائر وعلاقتها مع فرنسا، بفضل الرجال الذين عاهدوا الشهداء أنهم لن يخونوا دماءهم الزكية وأرواحهم الطاهرة، وسيستعيدون مجد أرض الثوار، ويضعونها على سكة التطور والتقدم كما أرادها الشهداء.
بعد الاستقلال السياسي، تخطو الجزائر اليوم خطوات عملاقة وبمنهجية دقيقة نحو الاستقلال الإقتصادي الذي أنهكته الاتفاقيات القديمة وجعلت منه البقرة الحلوب، وهي الطريقة الخبيثة التي انتهجتها فرنسا الاستعمارية مع كل مستعمراتها، فكبحت تطور شعوبها وسعت إلى محو ذاكرتها.
تحل اليوم الذكرى والجزائر تضع أسسا جديدة وفق تغيرات خارجية وتحولات في العلاقات الإقليمية والتموضع الدولي. تستغله الجزائر لإعادة تقييم علاقاتها الدولية وتراهن على مكانتها الإقليمية والافريقية، عبر وضع القطاع الإقتصادي محور إعادة كتابة التاريخ، عبر مشاريع استثمارية ضخمة وتطهير الاقتصاد من موروث الاتفاقيات المنهكة للجزائر وشعبها الأبي.
بعدما سخرت سبيلا واضحا لإعادة كتابة التاريخ مع فرنسا الاستعمارية، يسهر عليه مؤرخون وضالعون في التاريخ الجزائري وثورته المجيدة، عبر لجنة مشتركة جزائرية فرنسية، ستعيد صياغة التاريخ على أسس حقيقية، يتحمل فيها المجرم مسؤوليته ويأخذ الضحية حقه، رغم أنه لا تعويضات مادية أو أيا كان نوعها سيعادل قداسة وقيمة وكمية الدماء وعدد الأرواح التي سقطت في أرض الوغى منذ 1830 إلى 1962، انطلاقا من أول شهيد سقط وهو يدافع على أرض الجزائر من الاستعمار الغاشم إلى آخر شهيد سلم روحه لأجل استقلال الجزائر، مرورا بعدة محطات تاريخية رسخت في ذاكرة الشعوب وهي تدرس باعتى الجامعات العالمية، في محاولة لفك شيفرة الشخصية الجزائرية، التي لا يهمها غير توحيد الصف والكلمة والحفاظ على أمن وسلامة كل شبر من تراب هذا الوطن.  وتبقى قدرة جبهة التحرير الوطني في نقل الثورة التحريرية إلى داخل التراب الفرنسي نفسه، واحدة من الشواهد على بسالة الجزائري وعبقريته، وتلازمها ذكرى 11 أكتوبر 1961 واحدة من أبشع صور الجرائم الفرنسية الشاهدة على العصر. اقترفها المجرم “موريس بابون” في حق الإنسانية ضد أفراد الجالية الجزائرية بفرنسا، بأشهر قليلة قبل إنطلاق مفاوضات “إيفيان” في مارس 1962، التي توجت باستقلال الجزائر.
تعود هذه الذكرى الأليمة لتعيد مشاهد مقرفة قامت بها السلطات الأمنية الفرنسية، خلال شهر سبتمبر 1961، ضد المهاجرين الجزائريين، اتسمت بالتفتيش الفجائي، الاعتقال التعسفي، القهر والإذلال، وإقامة مراكز للإعتقال لا تقل فظاعة عن تلك التي أقامتها النازية، حيث أصدر محافظ شرطة باريس السفاح “موريس بابون” قرارا بحظر التجوال على الجزائريين في باريس وضواحيها ابتداء من الساعة الثامنة والنصف ليلا إلى غاية الخامسة والنصف صباحا. كما ألزم المقاهي والمطاعم التي يرتادها الجزائريون بالإغلاق في الساعة السابعة مساء، دون غيرهم من الفرنسيين وباقي الجاليات المقيمة بفرنسا.
لم تتقبل فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا القرار الجائر في حق أبناء وطنها، فدعت المواطنين الجزائريين للخروج في مظاهرات سلمية بالعاصمة الفرنسية “باريس”، للتعبير عن رفضها لهذه التصرفات المشينة والصارخة ضد حقوق الإنسان وما تمثله من عنصرية وتصفية عرقية.
وفي يوم 17 أكتوبر1961، خرج الآلاف من الجزائريين، حتى النساء والأطفال الذين قدموا من الأحياء الفقيرة لباريس وضواحيها من أجل الدفاع عن حريتهم وكرامتهم، في مسيرة سلمية حاشدة بباريس، تجمعوا في الساحات العامة منددين بالقرار المفروض على الجزائريين دون غيرهم، مع تبليغ السلطات الفرنسية بعض المطالب السياسية برفع شعارات وترديد “فليسقط حظر التجوال”، “تفاوضوا مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية”، “تحيا جبهة التحرير الوطني” و”الاستقلال للجزائر”.
حافظ الجزائريون على سلمية المظاهرات، دون إحداث فوضى أو شغب، بيد أن قوات البوليس الفرنسي، والمقدر عددها بـ 7000 شرطي و3 وحدات وحاميتين (2) من الفرقة الجمهورية للأمن، كان لها تصرف قانون الغاب، فغارت على جموع المتظاهرين مستعملة كل أنواع وسائل القمع من قنابل مسيلة للدموع والعصي وطلقات الرصاص، مخلفة عشرات الضحايا بين شهداء ومصابين في الشوارع ومحطات مترو الأنفاق.
لم تتوقف بشاعة الاعتداء ولم يكتف المستعمر الفرنسي بمناظر الجثث الملقاة في شوارع باريس والمصابين ولم يشبع شراهة الوحش الاستدماري الذي بداخله، فراحت شرطته تلقي بالعشرات من الجزائريين في مياه “نهر السين” الباردة وهم أحياء، ظنا أن النهر سيبتلعهم، لكن جثثهم طفت على سطحه أياما طويلة ورسخت لليلة سوداء، فيما قامت بالزج بالبقية في السجون والمعتقلات. لتكتب هذه الجريمة في صفحات تاريخ الذاكرة السوداء لفرنسا بحصيلة ثقيلة لا يمكن إحصاء المئات من الجزائريين الذين قضوا نحبهم بين رجال، نساء وأطفال، وبقيت إحصاءات تقريبية رواها شهود عيان من جزائريين وجاليات كانت شاهدة على المجزرة، التي خلفت ما بين 300 و400 شهيد، 2400 مصاب بجروح و400 مفقود في صفوف المتظاهرين، إلى جانب توقيف أكثر من 15000 متظاهر، من بينهم 3000 شخص، تم احتجازهم لعدة أسابيع، أين خضعوا لأشنع ممارسات التعذيب وأبشع صور للتعنيف، أدى إلى استشهاد الكثير منهم بمراكز الإعتقال لعدم تلقيهم الإسعافات الضرورية، نتيجة الإصابات جراء بشاعة التعذيب. كما واصلت فرنسا إجرامها بمطاردة الطلبة الجزائريين على أراضيها ولاحقت العائلات الجزائرية المتواجدة على الاراضي الأوروبية.
لم تتوقف الهمجية الفرنسية والرغبة الإجرامية المتغلغلة في داخل المستعمر، بل امتدت لتمنع التحقيقات الصحفية آنذاك، في محاولة منها لطمس معالم الجريمة، فراحت تضيق على الصحفيين، كما منعت إنشاء لجنة تحقيق لتقصي الحقائق، ظنا أن التاريخ سيمحى وستمزق صفحته الأكثر دموية في تاريخ البشرية، في عصر شعارات الحريات  والتحرر، لكن هيهات، ستبقى أرواح الشهداء تطاردها إلى نهاية العالم.
 وتواصل فرنسا إلى اليوم، الهروب من الاعتراف بهمجيتها وما اقترفته من بشاعة وفظاعة في حق الشعب الجزائري الأعزل على امتداد 130 سنة، رغم أن تاريخها الأسود ينزف حقوق شعوب أهدر دمها وأوطان تشرد وتشتت أبناؤها وبلدان نهبت واستنزفت خيراتها، لا يمكن التواري عنها ولا تجاهلها. ولغبائها لازالت تفضح نفسها بأكبر جريمة أخلاقية وإنسانية في التاريخ البشري، بامتلاكها متحف الإنسان الذي تضع فيه جماجم شهدائنا الأبرار وترفض تسليمهم لمواراتهم ودفنهم بجانب إخوانهم الشهداء ببلادهم التي قدموا أرواحهم فداء لها، ليس حبا فيهم، بل لأن الخوف من بسالتهم وشجاعتهم ونظرتهم القاسية اتجاه مجرميها وهم يعذبونهم لازالت تسكن دواخلها وترعبها، وهذيان عودتهم إلى الحياة والانتقام تلازمها حد الموت، لأنها على يقين أن الشهداء أحياء لا يموتون.
تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق