مزاد... كاب ديزاد
ذكرى الاستقلال 61، الجزائر تتناسى لكن لا تنسى

تحل الذكرى 61 لاستقلال الجزائر، في محطة للذكرى والتذكر، تزامنا مع أحداث مهمة تعيشها الدولة التي استعمرتها لأكثر من 132 سنة، بعد مقتل مراهق جزائري على يد شرطي فرنسي بنناتير الفرنسية.
لا شعار على ألسنة الجزائريين هذه الأيام سوى “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، فاستعدي وخذي منا الجواب”، بعدما أعاد رئيس الجمهورية”عبد المجيد تبون” المقطع المحذوف من النشيد الوطني الرسمي، الذي يذكر فرنسا بالاسم ويدعوها إلى الاستعداد إلى تلقي الرد، على كل ما قامت به في حق الجزائر وشعبها لأكثر من قرن استعمار.
تعود الذكرى التي طلّق فيها الاستعمار العسكري والسياسي، وانطلق الاستقلال الجزائري الحقيقي في بناء دولة بمؤسسات لا تزول بزوال الرجال، توالت السنون وتداول على بنائها والحفاظ على شموخها رجال، كانوا أوفياء للعهد الذي قطعوه للشهداء، فبنت علاقاتها، ونجحت ديبلوماسيتها الخارجية، فكانت وسيطا ناجحا في حل أعقد الأزمات الدولية، وساهمت في مساعدة عدة شعوب ألمت بها كوارث، وحققت قفزة في التعليم، جعلت أبناءها نخبة وخبرة مطلوبة ومتميزة في مختلف القطاعات بأكثر الدول تطورا وتقدما، كما برز أبناؤها في مختلف المجالات كالرياضة، الثقافة….
واليوم، في ظل العصرنة والتطور التكنولوجي، ورغم ما تعرضت له من نكسات سابقة، جعلت أعداءها يظنون أنها النهاية، فقد اعتبرتها تلك الفترات المهتزة، محطة راحة واسترجاع للأحداث، فكانت نقطة انطلاق جديدة، جعلتها اليوم تعود بقوة إلى الواجهة، مصرة على أن تكون كلمتها مسموعة، وخطواتها مدروسة، دون خوف أو تذلل، بل تثني على من يدعمها ويشاركها فرص الاستثمار والتنمية، والابتعاد والتخلي عن كل من يسعى إلى تركيعها واستغلال طيبة شعبها وخيرة ثرواتها. فاتجهت نحو روسيا ودعت إلى تنويع العملة للخروج من هيمنة الدولار والأورو، والتوجه نحو عالم متعدد الأقطاب، بعدما نهشت أحادية القطب الشعوب والتهمت ثروات بلدانهم. وأعادت التموضع بالقارة السمراء، من خلال إعادة دخول أسواقها وتسهيل الاستثمار بها، الحث على ضرورة التكتل العربي لمواجهة إعصار التغيرات الجيوسياسية الدولية، العمل بجدية لتكون لها كلمتها وقراراتها الخاصة اتجاه بلدان الاتحاد الأوروبي، والحفاظ على العلاقة الجيدة التي تربطها بأمريكا وياقي الدول في العالم.
الأحداث وتحركاتها الخارجية، لم تنسيها الوضع الداخلي، الذي يحتاج إلى بنية تحتية صلبة وقوية، فبدأت بإنعاش المؤسسات التي كانت متوقفة خلال العهدات الفارطة، واسترجاع ما يمكن من المصانع التي بيعت بالدينار الرمزي، وتحولت إلى منافذ لتحطيم الاقتصاد وتهريب العملة، كما أنها تواصل في إنجاز وتوزيع المشاريع السكنية، وللرفع من القدرة الانتاجية وتوفير الأمن الغذائي، فقد اتجهت نحو تطوير وتوسيع الإنتاج الفلاحي، عبر تشجيع الفلاحين الجزائريين، وفتح مجال الاستثمار الأجنبي بالجزائر، الحد من الاستيراد، فتح مجال الصناعة الدوائية بعدما كانت قطاعا مشلولا عن قصد لاستمرار نزيف العملة الصعبة، ولأجل منح فرصة الاستثمار والشراكة، فقد عدلت قانون الاستثمار الذي يمنح كل التسهيلات التي يحتاجها المستثمر الأجنبي، شرط أن يقوم بنقل الخبرة والتكنولوجيا إلى الجزائريين، قصد توطين تكنولوجيا الصناعة. ولدعم القاعدة الاقتصادية، فقد أدرجت الجزائر قطاع التعليم العالي في سوق الاقتصاد عبر حاضنة للمؤسسات الناشئة، وهي فكرة تدعم الطالب وتشجعه على الابتكار وإمكانية بعث مشروعه مباشرة بدعم من الدولة.
وللحفاظ على كل تلك المكتسبات، تقوم الجزائر بمواصلة تعزيزها لأمنها الحدودي الأرضي، البحري والجوي، بضمان احترافية لجيشها، وتوفير أسلحة نوعية، لضمان أمنها القومي وسلامة ترابها في ظل عدم الاستقرار الذي يعيشه الساحل.
وفي ظل كل ما يحدث، يتفاعل الشعب الجزائري مع التطورات الحاصلة وتوجه بوصلة دولته في تناغم، تصنعه صور التظاهرات الدولية المختلفة التي تحتضنها الجزائر، فيكون شعبها مضيافا، كريما، ودودا، مرحبا بضيوفها طيلة إقامتهم بترابها، على غرار تظاهرات المؤتمرات سواء السياسية او الاقتصادية أو العلمية أو الرياضية التي تكشف رحابة صدر الشعب الجزائري وبعده عن العنصرية والتنمر، واحترامه لكل المشاركين على السواء.
فجزائر اليوم همها أن تتطور وتحرز مكانها بين الدول القوية، فهي لا تنسى جراح الأمس ومسببها، ولا تنسى أشقاءها وأصدقاءها من الدول التي ساعدتها في محنتها لترد لها جميلها، كلما سمحت الفرصة بذلك، وأهم هدف لها هو توفير الحماية والدعم لأبناءها داخل وخارج أراضيها، أينما حلوا وارتحلوا، لأنه لا وطن لهم غير وطن آبائهم وأجدادهم.
بقلم: وردة. ق
