Capdz بالعربي

المحلل “جمال بن كريد” في حوار خاص لموقع “كاب ديزاد”: “إذا حدثت انتفاضة بفرنسا ستكون زلزالا، وهذا مصير سوريا”

أمام السقطات المتتالية التي يشهدها العالم وفي خضم ما يحدث من تغيرات جيوسياسية متسارعة، ها هي فرنسا تشهد لأول مرة منذ أكثر من 60 سنة أول سقوط مدو لحكومة لم تتحمل الهزات الاقتصادية لأكثر من 3 أشهر، بعدما أسقط البرلمان الفرنسي بتحالف اليسار مع اليمين المتطرف بقيادة “ماري لوبان”، عبر تصويت 331 ضد حكومة “بارنييه” من ضمن 577 نائبا، وحول فرنسا إلى قوة اقتصادية تتأرجح بين الانهيار الاقتصادي بسبب المديونية الضخمة والقدرة الشرائية المنهارة. وهو ما يجعل فرنسا تواجه عدة احتمالات متوقعة في ظل فشل قيادة الرئيس “إيمانويل ماكرون”، الذي فضل دعم أوكرانيا عسكريا في حربها ضد روسيا على حساب مصلحة الشعب الفرنسي داخليا. وفي نقطة أخرى من جغرافيا هذا العالم، سقط نظام الأسد بسرعة خيالية ولم يستطع الصمود حتى ساعات أمام المعارضة.

ولتوضيح الصورة أكثر حول ما يجري بفرنسا، ومصير سوريا، تواصل موقع “كاب ديزاد” مع المحلل والأستاذ بجامعة السوربون، “جمال بن كريد”، وكان هذا الحوار المقتضب:

 مرحبا، إن سقوط حكومة “بارنييه” تشكل شكلا من أشكال التناقضات الهيكلية للنظام السياسي الفرنسي من جهة، ومن جهة أخرى، نرى بكل قناعة أن المشكلة السياسية الفرنسية تحمل في طياتها توازنا متفاوتا في الشكل والمضمون لدستور الجمهورية الخامسة التي تأسست من طرف ديغول عام 1958.

ومن هذا المبدأ نستطيع القول أن الرئيس “ماكرون” له الحق في تشكيل حكومة جديدة، وفي نفس الوقت ليس له شرعية شعبية في تسيير البلاد عن طريق المراوغات غير المنطقية، والتي هي موجودة على الساحة السياسية الفرنسية.

  “دونالد ترامب” سيتولى منصبه في يناير 2025، خلفا لـ”جو بايدن” الذي شغل منصب الرئيس بين 2017/2024، وقراءتي لهذه الزيارة لها منظورين، الأول شكلي يخص افتتاح الكنيسة “السيدة العذراء”، التي أحرق جزء منها في 2019، وهذا يمثل العلاقة بين فرنسا وأمريكا. أما المنظور الثاني، فيتعلق بالسياسة، لأنه يجمع الرئيسين لمناقشة الوضعية السياسية بين رئيس أمريكا وساكن الإيليزيه، والإجابة بسيطة، فرنسا تمر بمرحلة استثنائية، في وقت ليس هناك شروط دستورية لتكون حكومة لها شرعية شعبية، لأن الناخبين الفرنسيين أخذوا كتلا غير متجانسة على الإطلاق. بلاد كبيرة كفرنسا ليس لها حكومة شرعية! لابد من مراجعة الهيكل الدستوري، الذي به نقائص هامة بطبيعته، ولا أظن أنه سيكون هناك صراع بين البلدين، لأن طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية هي في آخر المطاف تاريخية ومن المستحيل أن تكون مشاكل بين البلدين، لأن فرنسا شريك استراتيجي لأمريكا.

  الغضب الشعبي كان ولايزال مطلبا شرعيا للجماهير وآفاقاهم، الفقر والبطالة كانا دائما يخيمان على الطبيعة المعيشية لأغلبية الشعب الفرنسي، عندما تكون هناك سياسة اقتصادية لصالح الأقلية، لابد أن يكون تفاوت في تقسيم الثروة.

أما فيما يخص أوكرانيا، عسكريا، نرى في هذا السياق اختلافات جوهرية بين السياسة العمياء لأوروبا بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة. وهنا أتوقف لأقول أن “ترامب” ليست له نفس الموقف الداعمة لأوكرانيا، لأنه يستطيع أن يهيئ الأوضاع لكسب مصداقية إنهاء الحرب، ولأنه صديق “بوتين” في المطلق، لأن السياسة كما أعرفها هي “فن التناقضات البديهية”.

  في يوم 6 ديسمبر 2024، قال الرئيس الفرنسي علنا أنه لن يترك ما كلفه به الشعب الفرنسي، الذي اختاره لمدة 5 سنوات، أي أنه لن يقدم الاستقالة مهما كلفه الأمر، والرحيل وهم خيالي. ومن هنا نستطيع القول أن المعارضة ليس لها خيار إلا في تجنيد الرأي العام حتى يتسنى لها الوصول إلى المطلب الحالي وهو رحيل “ماكرون” من رئاسة فرنسا. وفي رأيي “الديمقراطية هي أكبر كذبة سياسية ناجحة عرفها التاريخ”، كما قال الفيلسوف.

  إن تفاقم المديونية للجمهورية الفرنسية فاقت المستوى المقبول، وهذا يمثل خطرا كبيرا على البنية الاقتصادية والاجتماعية، لأن كل المؤشرات تقول أن هناك خطرا باندلاع موجة انتفاضة شعبية، تؤدي إلى زلزال اجتماعي لا يستطيع أحد إيقافه، إن تراكم الغضب الشعبي وإفلاس السياسات اليمينية المتمثلة في الإرادة السياسية للرئيس “ماكرون” هي سبب هذه الأزمة العميقة للمجتمع الفرنسي.

 العلاقات الجزائرية، الفرنسية كانت وما لبثت أن تكون متأزمة، مادامت فرنسا لم تعترف بجرائمها الفظيعة في حق الشعب الجزائري. إن العلاقات الثنائية ستبقى متدحرجة، لأن التاريخ لازال لم يفكك الألغاز غير المعروفة. إن العلاقات السياسية والاقتصادية هي التي تكون حيز التوازن العقلاني للبلدين، ومن هذا المنطلق يجب بناء شراكة استثمارية ليتسنى لكل طرف الاستفادة من الفرص المتاحة.

ليست هناك أوراق ضغط لأيا من الطرفين، لأن التغيرات الإقليمية هي المحور والمحرك الأساسي لكل العلاقات بين الدول المجاورة من جهة وبين الجزائر وفرنسا من جهة أخرى. لابد أن لا ننسى أن هناك أكبر جالية جزائرية في العالم تستقر بفرنسا، وأنّ أوراق الضغط تكون في مراحل ومواقف معينة.

   لو يتخلى الرئيس “إيمانويل ماكرون” عن منصبه ستكون العلاقة مختلفة عما هي عليه اليوم، لأن “ماكرون” ليس “جاك شيراك”. فـ”ماكرون” هو نتاج الرأسمال الذي لا يعترف بالوجود الاجتماعي، ولا التضامني للشعوب، بصفة عامة والشعب الفرنسي بصفة خاصة. مهما كانت الوضعية الخانقة اليوم في فرنسا، فإن العلاقات الجزائريةـالفرنسية ستؤول إلى التوازن الشامل، لأن المصير موحد وجدانيا.

  إن التغيرات الجيوسياسية متسارعة، لأن تطور العالم غير مستمر بطريقة عقلانية وموضوعية، وذلك لأن الأحداث تتغير في فضاء مبني للمجهول، ولأن السياسة متزامنة، والمشاريع الجيوسياسية لها أبعاد متراكمة لعدة أسباب، منها إرادة الهيمنة من أصحاب القرار الذين يريدون أن تكون سياستهم أولوية في شتى المجالات. ونعيش في هذه الآونة سقوط مستبد استمر 6 عقود (الانقلاب العسكري في 1963) بسوريا، إن الحكم الوراثي لا يستطيع أن يعيش للأزل وغير محدود، ونرى اليوم فرار “بشار الأسد” إلى موسكو، وسقوط دمشق يعطي صورة عن طبيعة الأنظمة التي لا تفكر في الشعوب. أما فيما يخص المستفيد من هذه الوضعية، أظن أنه الكيان الصهيوني وحلفائه، فهم يستفيدون من التغيرات الجيوسياسية الموضوعة على  الطاولة، ولا ننسى أيضا القوى التكفيرية والإسلاماوية التي كانت دائما حليفا لبني صهيون والحركات الدموية التي كانت ممولة من القطب الأحادي المتمثل في أمريكا والغرب بصفة عامة وبعضا من الأنظمة العربية.

شكرا

حاورته: غزالة. م