Capdz بالعربي

رفيق رقمي في زمن الوحدة: هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الدعم النفسي؟

ك. ل

في ظل تفاقم مشاعر الوحدة حول العالم، يطرح مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، فكرة مثيرة للجدل: بناء صداقات مع الذكاء الاصطناعي. في لقاء بودكاست حديث، أشار إلى أن الشخص الأميركي العادي لا يملك سوى أقل من ثلاثة أصدقاء، بينما يحتاج فعلياً إلى ما يقارب 15، مقترحاً أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يردم هذه الفجوة الاجتماعية، خاصة مع التطورات التي تسمح بتخصيص التجربة لتتناسب مع احتياجات كل فرد.

ورغم تأكيد زوكربيرغ أن الذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى استبدال العلاقات الحقيقية، إلا أن اقتراحه باستخدامه كصديق رقمي أو حتى كمعالج نفسي أثار كثيراً من الانتقادات، واعتبره البعض محاولة لتبسيط علاقات معقدة لا يمكن محاكاتها برمجياً، بل ورآه آخرون تصوراً “ديستوبياً” لعالم تنقرض فيه الروابط الإنسانية الحقيقية.

لكن تبقى حقيقة الشعور بالوحدة قائمة. فبحسب دراسة أعدها مركز “غالوب” عام 2023، فإن نحو مليار شخص حول العالم يعانون من درجات متفاوتة من العزلة، ما يدفع الكثيرين للبحث عن بدائل للدعم النفسي، ولو كانت افتراضية.

على منصات مثل “تيك توك”، تنتشر مقاطع تظهر استخدام أدوات مثل “شات جي بي تي” في التعامل مع مواقف عاطفية معقدة. إحدى النساء تطلب من الأداة مساعدتها في كتابة رسالة لزوجها تعبر فيها عن شعورها بالإهمال من دون أن تثير نزاعاً. في مقطع آخر، تُروّج إحدى صانعات المحتوى لفكرة اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي كخيار أرخص للعلاج النفسي، معتبرة أنه وسيلة متاحة لمن لا يستطيعون دفع تكاليف جلسات العلاج التقليدية.

هذا الاتجاه لم يبقَ حبيس المحتوى الترفيهي، بل امتد إلى تطبيقات متخصصة. فـ”ريبليكا” يتيح للمستخدم إنشاء “رفيق عاطفي” رقمي، بينما تقدم تطبيقات مثل “بيرد” و”لاستينغ” أدوات لدعم العلاقات الزوجية، من خلال اختبارات وتمارين تواصل. أما “ووبوت” فيعتمد على مبادئ العلاج المعرفي السلوكي لمساعدة المستخدمين على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية.

ما يجعل الذكاء الاصطناعي جذاباً للكثيرين هو سهولة الوصول إليه، وعدم وجود حكم مسبق، وسرعة الاستجابة. الدكتورة جودي هو، المتخصصة في علم النفس العصبي، تؤكد أن بعض الأشخاص يفضلون هذه الأدوات لأنها تمنحهم إحساساً بالأمان والخصوصية، خصوصاً في بيئات تفتقر إلى متخصصين نفسيين أو في مجتمعات تعتبر الذهاب إلى المعالج وصمة.

لكن، رغم بعض الدراسات التي أظهرت تحسناً في مشاعر الوحدة بفضل استخدام رفقاء رقميين، يحذّر الخبراء من الاعتماد الكامل عليها. فالذكاء الاصطناعي لا يستطيع فهم التعقيدات العاطفية العميقة، ولا يمكنه تقديم دعم فعلي في حالات الصدمة أو الأزمات النفسية الكبرى. وقد يؤدي الاستخدام المفرط له إلى مزيد من العزلة، أو إلى علاقات غير واقعية مع كيانات افتراضية.

يُضاف إلى ذلك بُعد قانوني وأخلاقي حساس، إذ لا تخضع أدوات الذكاء الاصطناعي للضوابط الصارمة التي تلتزم بها المهن الطبية والنفسية، ما يثير تساؤلات حول أمن البيانات الشخصية التي يشاركها المستخدمون أثناء محادثاتهم.

وفي النهاية، ورغم قدرة الذكاء الاصطناعي على أن يكون أداة مساعدة، يبقى من الصعب أن يحل محل التفاعل الإنساني الحقيقي. فالعلاقات العاطفية والنفسية لا تُختصر في خوارزميات، بل تتطلب فهماً وتعاطفاً وتجربة بشرية أصيلة.