دولي
الباحث في الشأن الفلسطيني “فوزي أبو دقة”، يصرح لِ”كاب ديزاد”: “ما يحدث بغزة “يفضح” سعي أمريكا لبسط نفوذها على المنطقة”

حاورته: غزالة. م
تشد الأوضاع الحالية في “غزة” كل أنظار العالم، وما يعانيه سكان القطاع يحبس الأنفاس، وتتولى الشكاوى والدعاوى من مختلف المنظمات الرسمية وغير الرسمية في العالم، إلى الهيئات الشرعية الدولية، لإصدار قرار فوري بوقف إطلاق النار، يصاحبه تسريع إدخال المساعدات الإنسانية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فوضى الدمار الشامل، الذي تقوده الآلة العسكرية الصهيونية، التي تنفذ إبادة جماعية بوحشية لم تشهدها الإنسانية منذ أزمنة المغول والتتار. ورغم ما يصدره مجلس الأمن من قرارات، وما يتفنن فيه الغرب بالنداءات والدعوات، إلا أن الكيان الصهيوني المحتل، ماضيا في تنفيذ خطته الخطيرة “سحق العرق الفلسطيني، وإنهاء التواجد الفلسطيني بالأراضي الفلسطينية، عبر سياسة التهجير القسري، قصد إغلاق ملف القضية الفلسطينية بصفة نهائية”، حيث قضى على 12% من سكان قطاع غزة بين شهداء ومفقودين، منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذها بواسل كتائب “عزالدين القسام”، الذراع العسكري لحركة “حماس” المقاومة إلى اليوم.
وللغوص في ما يحدث بملف “العدوان الصهيوني” على قطاع غزة، على المستويين الشعبي والرسمي، قام موقع “كاب ديزاد” بمحاورة مع البروفيسور “فوزي أبو دقة”، الأكاديمي والباحث السياسي في الشأن الفلسطيني، وبموضوع الدفاع عن حق العودة، ومهتم بالقضايا الاستراتيجية، هذا الجزء الأول من الحوار:
صِفوا لنا ما يحدث في قطاع “غزة”؟
ما يحدث في غزة هو عدوان وحشي لجيش الكيان الصهيوني النازي، لم تعرف البشرية مثيلاً له منذ الحرب العالمية الثانية، فمنذ معركة السابع من أكتوبر الملحمة البطولية التي شنها المقاومون الفلسطينيون على المواقع العسكرية ومستوطنات غلاف غزة، تلك الملحمة التي أفشلت الحواجز الأمنية الالكترونية، وكسرت نظرية الردع والغطرسة الصهيونية، وألحقت الهزيمة بالجيش الصهيوني الذي يطلق على نفسه الجيش الذي لا يقهر، وارتكب الكيان الصهيوني أفظع ثلاث جرائم: جريمة الإبادة الجماعية موصوفة الأركان، وجريمة الانتقام الجماعي، وجريمة التهجير القسري والتطهير العرقي. وارتكاب هذه الجرائم بما يخالف القانون الدولي الإنساني، ولاتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على عدم ارتكاب المحتل الجرائم ضد المدنيين زمن الحرب، بل وتأمين الغذاء والماء والدواء وكل مستلزمات الحياة الإنسانية. بينما يعلن وزير حرب الكيان الصهيوني الإرهابي “يوآف قالنت” بعدم إدخال الماء والغذاء والدواء والوقود وفرض الحصار المطبق، على كل قطاع غزة، السجن الكبير منذ 17 عاماً، وفرض التجويع المحرم دوليا، كجزء من سياسة هذا الكيان المجرم والفاشي، وأضاف في إعلانه أنهم يحاربون “حيوانات بشرية”، ذلك الوصف العنصري الذي سيجره إلى المحكمة الجنائية الدولية عاجلاً أم آجلاً.
ولم تقتصر جرائم العدو على ذلك بل دمرت من الجو ومن البحر ومن البر كل مقومات الحياة، كقصف المنازل على رؤوس السكان دون سابق إنذار، تدمير المستشفيات واقتحامها وطرد الأطفال الخدج وذوي الأمراض المزمنة منها، تدمير أماكن اللجوء التي ادعت أنها أماكن آمنة بما فيها مدارس وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) المحمية بالقانون الدولي، تدمير المساجد والكنائس وتجريف المقابر والعبث بجثث الموتى، تدمير الطرق ومولدات الكهرباء وخزانات المياه والمخابز وقنوات التصريف والجامعات والأسواق، التدمير الكلي لمدن وقرى غلاف غزة، وتدمير أكثر من 70% من مساكن قطاع غزة، تدمير شامل شهده العالم أجمع بالصوت والصورة.
كيف تعامل العالم مع ما يحدث ؟
لم يتمكن هذا الكيان الفاشي المتعطش للدم من إخفاء جريمته، ما أدى إلى تحريك الشارع العربي والإسلامي والأوربي وانتشار المسيرات في معظم المدن الكبرى في العالم، والتي أدت إلى تغيير لهجة بعض البلدان الغربية وتغيير مواقف البعض الآخر، كموافقة الحكومة الفرنسية على التظاهر والمسيرات والدعوة لوقف العدوان، وإدانة الكيان الصهيوني بالإبادة الجماعية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتضامناً مع فلسطين والكفاح العادل للشعب الفلسطيني، من طرف حكومات أخرى، وتشكلت محكمة الرأي العام الدولي من خلال الهبات الشعبية والجماهيرية ولكن هذه المواقف لم ترق إلى وقف إطلاق النار وعدوان الكيان الصهيوني على غزة.
هل كانت المواقف العربية والجامعة العربية في مستوى تطلعات الفلسطينيين؟
لقد دعت أميركا منذ اليوم الأول للعدوان، دول الغرب وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى الدعم الفوري للكيان الصهيوني، الذي ترنح تحت ضربات المقاومة الفلسطينية، في ملحمة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر المجيد، حينما أيقنوا أن المسألة الوجودية للكيان في خطر، ومقابل ذلك لم تتداع البلدان العربية والنظام الرسمي العربي، ولم تلتقط الفرصة التاريخية لنصرة الشعب الفلسطيني في كفاحه لطرد المحتل الصهيوني واستعادة القدس والأقصى، ومنع تهويدها وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، إذا ما استثنينا بعض الدول كالجزائر واليمن والعراق والمقاومات العربية.
وعلى الصعيد الشعبي، لم تتمكن المسيرات الشعبية في بعض البلدان العربية أن تكون بالمستوى المطلوب، الذي يمكن أن يشكل عاملاً ضاغطاً لكسر الصمت العربي المخزي على ما يرتكب العدو الصهيوني من مجازر، وكل ما فعلته الجامعة العربية، هو انعقاد قمة عربية إسلامية، وكانت قراراتها بوقف العدوان وإدخال المساعدات إلى الشعب المحاصر في قطاع غزة، مجرد حبر على ورق، وتم نسف قرارات القمة بالقصف المتواصل من آلة التدمير الشامل الصهيونية، التي ألقت على غزة منذ 125 يوماً ما يعادل ثلاث قنابل نووية ألقيت على “هيروشيما”، مع العلم أن مساحة قطاع غزة 365 كم مربع، أي أقل من نصف مساحة ولاية الجزائر العاصمة.
لماذا ما زال الكيان الصهيوني لا يستجب لوقف إطلاق النار؟
لم تلق نداءات شعوب العالم بوقف إطلاق النار والعدوان على غزة الاستجابة لوقف مجازر الكيان الصهيوني، لعلّه الموقف الأميركي الشريك الفعلي للعدوان الصهيوني عسكرياً، بإقامة جسر جوي للدعم العسكري وإرسال أساطيلها لحماية الكيان من أي تداعيات إقليمية ممكنة أو محتملة، وسياسياً بتأمين الغطاء السياسي للعدوان، وإعلاميا بتبرير أفعاله الإجرامية كدفاع عن النفس!
فضلاً عن استعمال الإدارة الأميركية حق “الفيتو” في مجلس الأمن، لعدم وقف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، كمحاولة لإعطاء الكيان الوقت الكافي -للقضاء على المقاومة- تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية، والتهجير القسري لأهلها من غزة إلى صحراء سيناء، ثم من الضفة إلى الأردن، وكذلك من أراضي 48 في الجليل وشمال فلسطين إلى لبنان، من أجل تحويل هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني الإحتلالي والعنصري إلى “الدولة اليهودية”، حسب الخريطة التي عرضها رئيس حكومة العدو “بيبي نتنياهو” في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. وبهذه الحالة تضمن الولايات المتحدة الأميركية تثبيت هذا الكيان كقاعدة عسكرية، يقوم بدور وظيفي يتمثل في حماية مصالح أميركا، بالسيطرة على فرص استخراج غاز غزة وفلسطين، إلى جانب الأهمية الجيوسياسية لشرق المتوسط، فهذه المنطقة مهمة للغاية بما تمتلكه من موارد الطاقة الكبيرة 1,7 مليار برميل من احتياطيات النفط، و3,5 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي، وتشهد منافسة جدية بين القوى الإقليمية والعالمية وتتواجد فيها العديد من الشركات الدولية. والتحكم في الممرات المائية والسيطرة على طرق التجارة الدولية في مواجهة المارد الاقتصادي الصيني وتقليص نفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط.
تكبد “الكيان” خسائر فادحة، ومازال يواصل فشله، هل استمراره “رغبة” أم “خجل” من العار؟
نعم هذا صحيح، رغم تكبد الكيان الصهيوني خسائر في جيشه وتدمير معداته العسكرية على مرأى العالم كله، فضلاً عن خسائره الاقتصادية الباهظة، التي بلغت حسب الخبراء الاقتصاديين أكثر من 62 مليار دولار، وتوقف أهم قطاعات الإنتاج وخاصة التقنيات الحالية التي كان يسيرها جنود الاحتياط. والأهم من ذلك الخسارة الأخلاقية لهذا الكيان أمام محكمة الرأي العام العالمي، ومحكمة العدل الدولية على حد سواء، باعتباره كيان محتل يرتكب أبشع المجازر والإبادة الجماعية. هذا المحتل الذي ضلل العالم كل الوقت، باعتباره الضحية، لتسقط الأقنعة وأكذوبة معاداة السامية، وظهر على حقيقته في دور الجلاد المجرم الفاشي.
أما استمرار هذا الكيان في العدوان فهو تعبير عن غطرسة وعدم اعتراف بالفشل العسكري الذريع الذي لحق بمنظومته الأمنية، دون أن يحقق أي إنجاز عسكري واحد،ولا تحقيق الأهداف التي رفعها طيلة أشهر الحرب، إذا اعتبرنا أن ارتكاب جرائم القتل العمد بحق المدنيين العزل هدفاً عسكرياً..! نعم إن الكيان لا يرغب في النزول عن الشجرة، وإيقاف إطلاق النار وذلك للأسباب التالية:
– العار الذي سيلحق بالكيان أمام المجتمع الصهيوني، في حال توقف الحرب دون استعادة الأسرى الصهاينة لدى المقاومة بالقوة العسكرية، ودون القضاء على المقاومين وقادة القسّام.
– فقدان دوره الوظيفي الرادع في المنطقة، وكذلك خيبة الأمل التي ستطارده، والتي ستُعجل بالانهيار التدريجي للكيان، ما سيُعجل بالهجرة المعاكسة، وخاصة للمستوطنين من اليهود مزدوجي الجنسية والقادمين من بلدان الأوربية للاستيطان في فلسطين.
– أسباب سياسية، تخص نتنياهو المتابع قضائياً، فتوقف الحرب سيطيح به فء اليوم التالي له، بعد انهيار الحكومة ما يؤدي إلى رفع الحصانة عنه ودخوله السجن.
الجزائر تقوم بدورها في مجلس الأمن، هل مازال بإمكانها المساعدة أكثر؟
نعم بالتأكيد، ولقد لعبت الجزائر دوراً كبيراً طيلة أيام الحرب، فلقد أدانت العدوان منذ اللحظة الأولى، وحملت الكيان مسؤولية الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وأعلنها الرئيس “عبد المجيد تبون” واضحة وصريحة ومدوية، أن الشعب الفلسطيني ليس إرهابياً، كما ناشد جميع أحرار العالم وخبراء القانون الجزائريون والعرب والهيئات الحقوقية، إلى رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية ضد الكيان الإسرائيلي، لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين كما قال.
وقبل ذلك طالب الرئيس “تبون” في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، العالم بعقد جلسة استثنائية لتصبح فلسطين عضواً كامل الحقوق في الجمعية العامة، وهو الرئيس العربي “الوحيد”، الذي وصف الكيان الصهيوني ب”الاحتلال”. والآن بتبؤأ الجزائر لمقعدها منذ مطلع العام الحالي في مجلس الأمن، فإن الشعب الفلسطيني لا يشك ولا للحظة واحدة في الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الجزائر، ومباشرة وبتعليمات من الرئيس “عبد المجيد تبون”، دعا المندوب الدائم للجزائر في مجلس الأمن “عمار بن جامع” إلى جلسة طارئة، يدعو فيها العالم لإلزامية تدابير محكمة العدل الدولية، وتنفيذ ومراقبة تنفيذ تلك التدابير لوقف إطلاق النار وعدوان الكيان، ومنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، دون إغفال الدعم السياسي والمادي والعيني، منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية، واحتضان المجالس الوطنية الفلسطينية المتعاقبة، حينما عز المكان ومبادرة الرئيس “عبد المجيد تبون” بعقد “اللقاء الجامع ولم شمل الفصائل الفلسطينية”، وصدور “بيان الجزائر”، لتدعيم وحدة الصفوف عام 2022.
هذه المواقف الشجاعة للجزائر هي تعبير عن جزائر التاريخ، بلد شهداء المليون ونصف المليون شهيد، وبلد الحاضر بالتعبير الملموس، عن موقف الدولة شعباً وجيشاً وحكومة في دعم القضايا العادلة في المعمورة.
… يتبع