مزاد... كاب ديزاد

محدودة التعليم، لكنني أحمل دكتوراة في الحياة… 

تحول تصريح لإحدى الحلاقات “مستواي التعليمي محدود، لكنني أحمل دكتوراة في الحياة” على إحدى القنوات التلفزية الجزائرية إلى”ترند” على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة.
معظم الذين تداولوا التصريح، تناولوه من زاوية التهكم والتنكيت، بسبب مستوى “الدكتوراة” في وقت لم تصل فيه صاحبة التصريح عتبة البكالوريا، لكن لماذا اغتاض البعض وتعجب ورفض آخرون التصريح؟ أليس من حقها تصنيف مستواها حسب الفئة التي وجدت لنفسها مكانة فيها ومدى تأثيرها عليها؟. تصريحها المتلفز على مرأى ومسمع الملايين، منهم دكاترة حقيقيين في مختلف المجالات “صحة، نفس، جراحة، فيزياء، اجتماع، اقتصاد، إجرام، فلاحة، رياضيات… ومختصين متخرجين من أعرق وأكبر الجامعات الدولية، كان دليل على قوة  شخصيتها وثقتها العالية بنفسها. فهي تحدثت من منطلق أن نصائحها وتصرفاتها التي تغدق بها على متابعيها وزبائنها لها صدى وإقبالا واسعا، وأنهم يثقون في عملها أكثر من الأطباء المختصين، خاصة في مجال التجميل. والتغييرات التي تقوم بتنفيذها على جسدها تعطيها ختم المصداقية، فهي أصبحت نموذج ل”تكبير النهدين والمؤخرة، شفط الدهون ونحت الخصر”، وقد أصبح ذلك موضة، أصبحت من ولاية إقامتها تستجيب للراغبات في الأخذ بتجربتها، فتقوم برحلات إلى مختلف الولايات وفق برنامج مضبوط، لتشرف هي شخصيا على تلك العمليات التجميلية، وقد يحدث أن تجد بين زبوناتها الوفية لخبرتها من تحمل شهادة “البروفيسور”، ولها من المواقف القوية والآراء الثابتة ما يجعلها صعبة الاقتناع بكلام دكتور أو بروفيسور أو حتى فرد من عائلتها بضرورة مراجعة طبيب “حقيقي” دارس في الجامعة وله من الخبرة والمهنية، لينصحها بالإقبال على عملية تجميل محددة أو أن ذلك يؤذيها، لكنها تثق وبكل سهولة تقنعها “حلاقة مختصة في التجميل” لتجري العملية وكيف أنها تتحول إلى صاحبة “قوام يسلب القلوب”، دون أن تمر بذهنها فكرة فشل العملية، مما يعرضها إلى تشوهات جسدية أو مرض عضال يستحيل علاجه… .
ذلك الموقف، بقدر ما يغضب الجمهور المتعلم وكذا صاحب المناصب ذات المسؤولية المصيرية، بقدر ما يفتح بابا واسعا لا يغلق بسهولة أمام التغيرات الفكرية والمجتمعية المتسارعة، لمعرفة الأسباب التي جعلت أشخاص محدودي التعليم يؤثرون وبقوة في جمهور عريض عبر العالم الافتراضي، في حين تم هجر الكتب الورقية القيمة التي يسهر ويتعب لأجلها أشخاص، أمضوا أكثر من ثلاثة أرباع أعمارهم في البحث والدراسة والتدقيق، وكذلك بالنسبة للبرامج التلفزية الهادفة، فرغم أن من يديرها من كبار الصحفيين الناجحين ومواضيعها راقية، إلا أن نسبة مشاهدتها تبقى ضعيفة مقارنة بتلك البرامج التافهة أو التي تشرف عليها شخصيات مؤثرة في مواقع التواصل الاجتماعي، لا علاقة لها بالإعلام ولا الذوق المحترم. وما الذي جعل أصحاب الفكر الناضج، المبدع والمفكر بطريقة إيجابية لبناء الفرد بطريقة صحيحة ومتكاملة يبقى على هامش الحياة، في حين استولى أصحاب الفكر التافه والأخلاق المنحطة على قيادة المجتمع والجيل الصاعد.
وحتى تحصل هبّة في المجتمع، وتنتعش العقول المفكرة وتستعيد النخبة مراكز القيادة المجتمعية، سيبقى شعار “لا مستوى علمي لدي، لكنني أحمل دكتوراة في الحياة”، هو الرائد والطاغي لكل من وجد مجموعة أشخاص، يسمعونه ويتأثرون به وبتصرفاته.
بقلم: وردة. ق 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق