وهران

رمزية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الجزائر: مقاربة سوسيوأنثروبولوجية للدين والثقافة والهوية

بقلم د. مريوة حفيظة – جامعة وهران 2، كلية العلوم الاجتماعية، قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا

 

يُعدّ المولد النبوي الشريف من أبرز المناسبات الدينية والاجتماعية التي تحوّلت إلى طقس جماعي يحمل أبعادًا روحية وثقافية وأنثروبولوجية. فالاحتفال لا يقتصر على تخليد ميلاد الرسول ﷺ، بل يُجسّد أيضًا المخيال الجماعي للجماعة المسلمة، ويُعبّر عن الانتماء الديني والهوية الثقافية عبر عادات وتقاليد متوارثة ومتجدّدة.

 

البعد الديني والروحي

 

يُمثّل المولد النبوي لحظة استذكار لسيرة النبي ﷺ وما تحمله من قيم الرحمة والعدل والتضامن. فالمدائح والذكر تُعيد وصل الإنسان بالمقدّس، وتُكرّس ثقافة المحبّة والتبرّك بالنبي الكريم، مما يمنح هذه المناسبة مكانة روحية تتجاوز حدود الطقس إلى عمق التجربة الدينية.

 

البعد الاجتماعي: بين اللقاء والتضامن

 

يتجلّى البعد الاجتماعي في الطقوس الجماعية التي ترافق الاحتفال، حيث تُحضَّر أطباق خاصة وحلويات تقليدية، في إطار يرسّخ التشارك العائلي والمجتمعي. كما يُعتبر المولد لحظة للتلاقي، تبادل الزيارات، وإحياء روابط القرابة، بما يُعيد إنتاج التضامن الاجتماعي والذاكرة الجمعية.

 

البعد الثقافي-الهوياتي

 

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يُمثّل علامة فارقة في الهوية الإسلامية، لكنه يتخذ أشكالًا متمايزة بحسب الخصوصيات المحلية. ففي الجزائر، تُعبّر كل منطقة عن المناسبة بطقوسها الخاصة: من استعمال الشموع والفوانيس كرمز “لنور الهداية”، إلى انتشار البخور والمدائح التي تحفظ الذاكرة الشعبية وتُجسّد صورة الرسول ﷺ في المخيال الجماعي. وبذلك يتحوّل المولد إلى فضاء للتفرّد الثقافي داخل الانتماء الديني المشترك.

 

البعد الأنثروبولوجي: الاستمرارية والتحول

 

من منظور أنثروبولوجي، يُبرز المولد النبوي استمرارية بعض الطقوس القديمة، وهي ممارسات تقاوم الزمن وتُحافظ على الهوية. وفي المقابل، يظهر التحول بفعل العولمة ووسائل الإعلام الحديثة التي أضافت للمناسبة مظاهر جديدة، جعلتها أكثر تنوعًا وأحيانًا أكثر استهلاكية، دون أن تفقد رمزيتها الأصلية.
تؤكد الدكتورة مريوة حفيظة في قراءتها السوسيو-أنثروبولوجية أنّ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المجتمع الجزائري ليس مجرد ذكرى دينية، بل هو ممارسة اجتماعية-ثقافية تُعيد تشكيل علاقة الإنسان بالمقدّس، وتمنح الجماعة وسيلة لإعادة إنتاج انتمائها وذاكرتها. فهو حدث جامع بين الدين والهوية والثقافة، يربط الماضي بالحاضر، ويجعل من السيرة النبوية مرجعًا للقيم، ومن الطقوس الشعبية وعاءً للذاكرة والهوية الجماعية
الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق