مزاد... كاب ديزاد
التدخين… عناد وتربية الوالدين

يتوفى يوميا آلاف الأشخاص في المعمورة، ويحال الملايين على العمليات الجراحية على مستوى الرئتين، القلب، مجاري التنفس، الحنجرة، وفي أغلب الأحيان تكون الحالات مستعصية، وعلاجها شبه مستحيل، لأن الإصابة تطورت وتحولت إلى مرض خبيث يحرم المصاب لذة الحياة ويفقده وعائلته الراحة والشعور بالاطمئنان.
يحيي العالم سنويا بتاريخ 31 ماي اليوم العالمي لمكافحة التدخين، وتنظم الملتقيات والحملات التحسيسية، للحد من الإقبال عليه، لكن في مجمل المشاركين، تجدهم أطباء، ينصحونك وهم يحملون السيجارة ويدخنون، وعند لومك لهم، يردون: “هو بلية وأسوء اختيار لا أتمناها لك ولا لغيرك”. فهو إدمان، والإقبال عليه في الماضي، كان يعتمد الستر والتخفي عن الجيران والعائلة أما الأساتذة فحدث ولا حرج، لكن اليوم وبتشتت المجتمع، أصبح الطفل الذي لم يبلغ بعد، يحمل السيجارة ويتباهى أمام الكبار في الشارع، ويستعرض عضلاته أمام جيرانه، وإن تخفى عن الوالد، فالوالدة من توفر له ثمن السيجارة، ومبررها في ذلك: “يدخن وانا نشريله، وما يروحش يسرق”. وهو العذر الذي أصبح الطريق المفروش للأولاد للعبور من التدخين إلى المخدرات.
بعد تلقي الطفل المساندة من الأم، يشجعه الأصدقاء، وتتوسع التجربة في الشارع لتصل المخدرات والكحول والأقراص المهلوسة، ومع تقدم الطفل في العمر، تزداد طلباته للأموال، فتصبح الأم غير قادرة على توفير طلباته، وهو ما يدفعه إلى ولوج عالم الإجرام، الذي يجعله يسرق ويعتدي على الغير ليلبي إدمانه. تحميل الأم مسؤولية عدم المرافقة الجيدة للطفل لا يعني أن الوالد بريء، بل هو يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، لأنه لم يعامل ابنه كما يجب، وكان يقضي وقته في الشغل وعدم تخصيص وقت لتعليم ونصح ابنه بما ينفعه وما يضره، ولم يبحث له عن فضاءات خارجية توفر المرافقة الحسنة للأطفال كنوادي الثقافة، الرياضة، المكتبات…
ابتعاد الأهل والجيران عن المساهمة في التربية، واتهام المعلمين والأساتذة بتعقيد التلاميذ نفسيا في حال وبخوا الطفل عند قيامه بخطأ، جعل الطفل يعيش “فلتان”، لا يقبل النصيحة ولا يعرف الخطوط الحمراء في ممارسته اليومية. لا يمكن تنظيم يوم في السنة للتحذير من إدمان يكلف الصحة والجيب والسمعة، بل الأجدر أن تكون أياما ومناسبات متواصلة تعطي الطفل جرعات توعية مستمرة، حتى تتحول الفكرة والنصيحة إلى قناعة ومبدأ لا يحيد عنهما، وعلى المجتمع أن يعيد النظر في كيفية التكفل بالطفل وكيفية معالجة المشاكل التي أصبحت لصيقة بالفرد وظاهرة متعايش معها وكأنها من البديهيات، وإعادة الدور التربوي للمدرسة والمؤسسة التربوية عموما، وهذا لن ينجح والمختصون في علمي الاجتماع والنفس يعيشون تقاعدا مفروضا فرضا.
بقلم: وردة. ق