وهران
باحثون بجامعة وهران وخبراء يباركون تنصيب لجنة صياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار: رد فعل منطقي جاء في وقته

ح. نصيرة
اعتبر أساتذة وباحثون جامعيون وخبراء في القانون الدولي بجامعة وهران أن الخطوة التي خطتها الجزائر عبر البرلمان في تنصيب لجنة خاصة تتولى صياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار جاءت في وقتها المناسب. ويرى الأساتذة أن هذه المبادرة سيكون لها تأثير على البرلمانات العالمية والعربية والبرلمان الإفريقي، حيث ستُحدث أبعادًا مهمة وتكرّس حق الجزائري في الحرية، وفقًا لما جاء في الديباجة الجزائرية.
وتواصلت “كاب ديزاد” مع بعض الأساتذة المهتمين بالتاريخ الجزائري، الذاكرة الوطنية، والقانون الدولي في وهران، عقب الإعلان الرسمي عن تشكيل لجنة خاصة لصياغة مقترح القانون، تكريمًا لذاكرة أسلافنا الميامين، من جيل المقاومة إلى جيل الثورة التحريرية المجيدة.
الدكتور بلحاج محمد: البرلمان الجزائري جاء في سياق المرحلة الحالية، وهناك أصوات فرنسية نددت بهمجية الاستعمار
من جانبه، قال الدكتور محمد بلحاج، أستاذ التاريخ بجامعة وهران 1 أحمد بن بلة، إن قضية تجريم الاستعمار سجال قديم جديد، مشيرًا إلى أن البرلمان الفرنسي كان أول من بدأ هذه المعركة في فيفري 2005 عندما أصدر قانونًا يمجد الاستعمار، مدعيًا أن الاستعمار الفرنسي كان له “دور حضاري وإنساني”، وهو ما يتناقض مع الحقيقة، حيث إن العديد من الشخصيات الفرنسية في مجالات التاريخ وعلوم أخرى وصفوا الاستعمار بالهمجية.
وأضاف الدكتور بلحاج أن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، خلال زيارته للجزائر بجامعة تلمسان، صرّح بأن “الاستعمار تميز بالفظاظة”. كما أشار إلى أن شخصيات فرنسية أخرى مثل الرئيس ماكرون حين تحدث عن قضية موريس أودان، كشفت عن بعض الجرائم الاستعمارية.
وأوضح الأستاذ أن هناك أصواتًا موضوعية وشخصيات شريفة في فرنسا نددت بهمجية الاستعمار، مثل جون مونستير، بنجامين ستورا، شارل روبيرت أجرو، وأندريه جيليان، حيث تطرقوا إلى الصفحات السوداء في تاريخ الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي.
كما لفت إلى أن نجل موريس أودان زار جامعة وهران 1، وكان من بين الحضور كريستوف لافاي، الذي تطرق إلى الجرائم القاتمة التي ارتكبها الجيش الفرنسي ضد الشعب الجزائري.
الخبير في القانون الدولي بهلولي: البرلمان الجزائري سيكون له تأثير على البرلمانات العالمية والعربية
من جهته، أكد الخبير في القانون الدولي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران 2، الدكتور محمد أبو الفضل بهلولي، أن خطوة تنصيب لجنة خاصة لصياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار جاءت استجابة لمطلب شعبي دام لعقود، حيث طالبت به المجتمع المدني، الأحزاب السياسية، والشخصيات الوطنية، إلا أن عوامل متعددة حالت دون خروجه إلى النور سابقًا.
وأضاف أن السياق الدولي والإقليمي الحالي، إلى جانب الإصلاحات الداخلية والحكم الراشد، ساهم في إعادة بعث هذا المشروع المهم سياسيًا، تاريخيًا وقانونيًا.
ويرى الدكتور بهلولي أن القانون سيكون نموذجًا عالميًا، خاصة للدول التي تعرضت للاستعمار، حيث ستستند اللجنة في صياغته إلى مصادر القانون الدولي، وستعتمد على قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى تصفية الاستعمار.
وأشار إلى أن الجزائر يمكنها الاستناد إلى ميثاق الاتحاد الإفريقي، الذي يرفض الاستعمار، بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية المناهضة للتمييز العنصري، وحظر استخدام الأسلحة النووية.
وأكد الخبير أن المشرع الجزائري سيحرص على تجنب تأثير المدرسة الفرانكوفونية في إعداد النصوص، وسيركز على تعريف واضح للاستعمار. كما يمكن الاستفادة من قرارات محكمة العدل الدولية، التي تؤكد على تصفية الاستعمار، منع الهيمنة، ووقف نهب الثروات.
وفي ظل النظام الدولي الجديد، يرى الدكتور بهلولي أن الجزائر ستأخذ منحى له أبعاد استراتيجية كبيرة من خلال هذا القانون.
الأستاذ حميد آيت حبوش: قانون تجريم الاستعمار يأتي في وقته وعلى فرنسا تعويض الضحايا الجزائريين
بدوره، اعتبر الأستاذ حميد آيت حبوش، مدير مخبر الدراسات المغاربية بجامعة وهران 1 أحمد بن بلة، أن تشكيل لجنة خاصة لصياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار يعد خطوة هامة للمصادقة على المشروع، مثمنًا جهود رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي في هذا السياق.
وأضاف أن هذا القانون كان يجب أن يُصدر منذ سنوات، عقب الاستقلال مباشرة، لكنه بقي مجرد محاولات لم تكتمل في 1984، 2001، 2006، 2019 و2021.
إلا أن المؤشرات الحالية تدل على أن هناك إرادة قوية لإصداره، خاصةً أنه رد فعل على الجرائم التي ارتكبتها فرنسا ضد الإنسانية، والتي شملت القتل، التهجير، نهب الثروات، والتجارب النووية التي لا تزال آثارها قائمة.
وأوضح الأستاذ أن فرنسا قتلت أكثر من 6 ملايين جزائري، منهم 1.5 مليون شهيد خلال الثورة التحريرية، مضيفًا أن قانون تجريم الاستعمار يأتي في وقته، وعلى فرنسا أن تعترف بجرائمها وتعوض الضحايا الجزائريين.