وطني
20 أوت بين التاريخ والمخيال الجماعي: رمزية المجاهد واستمرارية الرسالة الوطنية

بقلم: د. مريوة حفيظة – جامعة وهران 2 / قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا _ كلية العلوم الاجتماعية
في العشرين من أوت من كل عام، تستعيد الجزائر نبض تاريخها وتستحضر بطولات مجاهديها، تخليدًا لمحطتين فارقتين في مسار الثورة التحريرية: هجومات الشمال القسنطيني سنة 1955 بقيادة الشهيد زيغود يوسف، ومؤتمر الصومام سنة 1956 الذي أسّس للتنظيم السياسي والعسكري للثورة ومنحها بعدها الشرعي.
ولم تكن هذه المحطات مجرد أحداث عابرة، بل تحولت إلى رموز كبرى صاغت صورة المجاهد في المخيال الوطني، وجعلت منه قيمة متجددة تتجاوز حمل السلاح إلى مشروع بناء الدولة المستقلة.
_ الذاكرة الجماعية والهوية الوطنية
من منظور سوسيولوجي، لا يمثّل يوم المجاهد احتفاءً شكليًا بالماضي، بل هو فعل اجتماعي يعيد إنتاج الذاكرة الجماعية ويعزّز الانتماء الوطني. فالمجاهد في المخيال الشعبي يرمز إلى التضحية والوحدة والصمود، ويتحول إلى مرجع جماعي يوحّد الجزائريين حول سردية وطنية كبرى.
وبذلك، يصبح الاستدعاء الرمزي لقيم الثورة حلقة وصل تربط الأجيال الجديدة بتاريخها، وتمنحها زادًا معنويًا لمواجهة رهانات الحاضر: من بناء مؤسسات الدولة الحديثة، إلى حماية السيادة الوطنية في زمن العولمة.
الذاكرة كجسر بين الماضي والحاضر
إنّ الاحتفاء بــ20 أوت لا يعني الوقوف عند الماضي، بل هو تفاعل حيّ بين التاريخ والحاضر. فالمجاهد لم يبقَ مجرد بطل في كتب التاريخ، بل غدا رمزًا للاستمرارية: من الدفاع عن الحرية بالأمس إلى المساهمة في بناء المستقبل اليوم. وهكذا تتحول الذاكرة الجماعية من مجرد حنين إلى قوة فاعلة تدفع نحو الغد.
بين التاريخ والسوسيولوجيا
يحمل هذا اليوم بُعدًا مزدوجًا: تاريخيًا منح الثورة شرعيتها السياسية والعسكرية، وسوسيولوجيًا جعل الذاكرة الجماعية دينامية حية تُعيد إنتاج الهوية الوطنية. ومن ثَمّ، فإن إحياء يوم المجاهد ليس مجرد تكريم لأبطال الأمس، بل هو تأكيد على استمرارية الرسالة الوطنية، وأنّ تضحيات الماضي تشكل أساسًا لرهانات المستقبل.
وفاء الأجيال لرسالة الحرية
تؤكد الدكتورة مريوة حفيظة أنّ اليوم الوطني للمجاهد هو استحضار لقيم جعلت من التضحية والإيمان بالوطن مرتكزًا لبناء الدولة الجزائرية. فالمخيال الجماعي الذي يحفظ صورة المجاهد يتجاوز ساحات القتال، ليجعل منه مدرسة متجددة في حب الوطن وخدمته.
وفي عالم متغير، تبقى مسؤولية الأجيال الجديدة هي الوفاء لتضحيات الأمس عبر مشاريع التنمية، وصون الهوية، وحماية السيادة الوطنية. وهكذا تظل الجزائر وفية لتاريخها، صانعةً لحاضرها، وحافظةً لرسالة الحرية عبر الأجيال.
ويبقى تاريخنا مجد، وحاضرنا عهد، ومستقبلنا وعد.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار .