مزاد... كاب ديزاد
بين التاريخ والبيئة… ذاكرة مزدوجة

م ر
تم اليوم تنصيب اللجنة الوطنية لمشروع الذاكرة البيئية الاستعمارية بالجزائر، في خطوة تهدف إلى توثيق الآثار البيئية التي خلّفها الاستعمار الفرنسي، وإدماجها ضمن الذاكرة الوطنية كجزء من الوعي التاريخي والبيئي للأجيال القادمة.
و شهد مقر وزارة البيئة هذا الحدث ذو الرمزية العميقة، تحت إشراف وزيرة البيئة كوثر كريكو، وبحضور وزير المجاهدين وذوي الحقوق عبد المالك تاشريفت.
و لم يكن الأمر مجرد إجراء إداري، بل إعلانا عن بداية مسار جديد في قراءة التاريخ الجزائري، من زاوية قلّما حظيت بالاهتمام و هي الذاكرة البيئية.
هذا المشروع جاء ثمرة توصيات الملتقى الوطني حول “الآثار البيئية للاستعمار في إفريقيا”، الذي انعقد في الثالث من نوفمبر بالجزائر العاصمة ، وقد خلص المشاركون إلى ضرورة إطلاق مبادرة وطنية تُعنى بـحصر وتوثيق المناطق التي تعرضت لسياسة الأرض المحروقة، والأنشطة الاستخراجية المدمّرة للطبيعة، والتي مارسها الاستعمار الفرنسي على مدى أكثر من قرن.
الذاكرة البيئية ليست مجرد سرد لوقائع الماضي، بل هي شهادة الطبيعة على جرائم الاستعمار ، فالغابات التي أُحرقت، والأراضي التي سُممت، والمناجم التي استُنزفت بلا رحمة، كلها شواهد صامتة لكنها ناطقة بلغة الخراب.
إن توثيق هذه الآثار هو بمثابة إعادة الاعتبار للبيئة كجزء من الهوية الوطنية، تماماً كما عهدنا إعادة الاعتبار للشهداء والمجاهدين في الذاكرة التاريخية.
و خلال مراسم التنصيب، أكدت الوزيرة كريكو أن الذاكرة البيئية تمثل جزء أساسيا من الذاكرة الوطنية، مشددة على أهمية توثيق الأضرار البيئية التي خلّفها الاستعمار ، حفاظا على الوعي البيئي والتاريخي للأجيال القادمة ، كما أُطلق بالمناسبة دليل علمي وتوثيقي يُعنى برصد هذه الأضرار، ليكون مرجعا للباحثين والمؤرخين والمهتمين بالشأن البيئي.
تنصيب هذه اللجنة يحمل دلالات عميقة ، فهو يربط بين الذاكرة الوطنية والعدالة البيئية، ويؤكد أن الاستعمار لم يكن مجرد احتلال للأرض والإنسان، بل كان أيضاً اعتداء على الطبيعة ، كما أن المشروع يفتح الباب أمام نقاشات جديدة حول العدالة البيئية في السياق الاستعماري، وربما يساهم في إثراء الخطاب الدولي حول مسؤولية القوى الاستعمارية في تدمير البيئة.
إن إدماج البعد البيئي في الذاكرة الوطنية هو خطوة نحو وعي جديد، يجعل من حماية البيئة امتداداً للنضال التحرري ، فالطبيعة التي قاومت الاستعمار، والتي ما زالت تحمل ندوب الماضي، تستحق أن تُحفظ ذاكرتها، وأن تُروى قصتها للأجيال القادمة.
تنصيب اللجنة الوطنية لمشروع الذاكرة البيئية الاستعمارية ليس مجرد حدث بروتوكولي، بل هو إعلان عن ميلاد رؤية جديدة للتاريخ الجزائري، حيث تتكلم الطبيعة بلغة المقاومة، وتصبح البيئة جزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية.
