مزاد... كاب ديزاد
لهيب ديسمبر… حين صرخ الجزائريون:” الوطن خطّ أحمر”

م ر
في كلّ عام، حين يطلّ يوم 11ديسمبر، تستيقظ الذاكرة الجزائرية على واحدة من أكثر اللحظات إشراقا في تاريخ الكفاح الوطني، ليست مظاهرات 11 ديسمبر 1960 مجرد محطة عابرة في سجل الثورة، بل هي صرخة شعبية هزّت أركان الاستعمار الفرنسي، وفرضت على العالم أن يصغي لصوت الجزائريين وهم يعلنون بوضوح لا لبس فيه: “نريد الاستقلال… ولا شيء غير الاستقلال.“
و في صباح 11 ديسمبر 1960، كانت شوارع الجزائر شرايين نابضة بالكرامة، تضخّ إرادة شعب قرّر أن يقول كلمته، خرج الجزائريون يومها في مظاهرات سلمية عارمة شملت المدن الكبرى والأحياء الشعبية، مرددين شعارات الثورة ، متحدّين آلة القمع الاستعماري التي واجهتهم بالرصاص والاعتقالات ، رافعين راية الوطن ، و كانت تلك اللحظة نقطة تحوّل حاسمة في مسار الثورة التحريرية المجيدة، إذ ساهمت تلك المظاهرات في تدويل القضية الجزائرية، وجعلت العالم يرى بوضوح أن الشعب يقف صفا واحدا خلف جبهة التحرير الوطني ، وأثبتت أن هذا الشعب لا يهزم حين يتوحّد.
اليوم و بعد 65 عاما، لا يزال صدى تلك الصرخة يتردّد في وجدان الأمة الجزائرية، فالشعب الذي وقف في وجه أعتى قوة استعمارية في القرن العشرين، هو نفسه الذي يقف اليوم، بكل وعي ومسؤولية، في وجه كل من يحاول العبث بأمن الجزائر أو استقرارها، فالجزائريون يتوحّدون دائما عندما يتعلق الأمر بالوطن، لأن الجزائر عهد بين الأجيال يصان.
إن استحضار مظاهرات 11 ديسمبر ليس مجرد احتفال بذكرى، بل هو تذكير بأن الحرية تصان باليقظة، والسيادة تحمى بالإرادة، والوطن يبقى قويا ما دام أبناؤه أوفياء لرسالته، وكما كسر الجزائريون مشروع ديغول سنة 1960، فهم اليوم أكثر استعدادا لكسر كل مشروع دنيء يستهدف وحدتهم أو سيادتهم، فالجزائر التي صمدت بالأمس لا تُخترق اليوم.
إن الاحتفاء بهذه الذكرى، هو تذكير بأن الحرية لم تكن هدية، وأن السيادة لم تكن منحة، بل كانت ثمرة تضحيات جسام ، وهو وفاء لأولئك الذين خرجوا ليقولوا “لا” في وجه المستعمر ، و حين نشاهد اليوم الأجيال الجديدة تشارك في إحياء الذكرى، فإننا ندرك أن رسالة الشهداء لم تذهب سدى.
وتبقى مظاهرات 11 ديسمبر 1960 درسا خالدا في أن الشعوب حين تتوحد حول قيمها الوطنية، تستطيع أن تغيّر مجرى التاريخ، وتبقى الجزائر، وهي تستحضر هذه الذكرى، وفية لدماء أبنائها، وماضية بثبات نحو مستقبل يليق بتضحياتهم.
