مزاد... كاب ديزاد
الجزائر… مركز اهتمام العالم

انتخاب الجزائر اليوم كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الجولة الأولى، بأغلبية ساحقة، شاركت فيها 193 دولة، يكشف المكانة التي أصبحت الجزائر تحظى بها بين الدول، ورقي سمعتها في الشأن الديبلوماسي، وقدرتها على معالجة الملفات العالقة بدقة متناهية وتناغم دولي لا يخضع لأنانيتها أو مصلحة طرف على آخر.
ستكون بصمة الجزائر واضحة على مختلف الملفات التي ستتناولها أو تكون شريكة فيها انطلاقا من تاريخ تسلمها لمقعدها بمجلس الأمن، الساري على امتداد سنتين ابتداء من غرة جانفي 2024. حيث تحولت الجزائر إلى محور اهتمام دولي وعالمي، بنظرتها الشاملة للقضايا، وخطواتها الثابتة نحو تحقيق تقدم حقيقي في جميع المجالات، بالتعاون والتنسيق مع الدول، لرفع درجات التعاون في مجال التنمية التي تسمح لها بتعزيز استقلالها الاقتصادي بعدما حققت الاستقلال السياسي.
فبعد أن انتعشت ديبلوماسيتها الخارجية، بدأت في استعادة دورها الرائد خارجيا، بعدما رسخت تأثيرها في أكبر القضايا الدولية عبر التاريخ، على غرار الرهائن الأمريكيين بإيران، أعادت بوصلتها إلى محيطها الذي تراجعت عنه لأسباب داخلية بحتة، جعلتها تنكمش على نفسها لسنوات، فعملت بكل جهد وتفان لإصلاح ذات البين بين الأشقاء الفرقاء الفلسطينيين، الذي انتهى ببيان الجزائر في غرة نوفمبر 2022، حينما احتضنت القمة العربية، ووضعت أسس العديد من القضايا العربية على السكة، على غرار عودة سوريا لشغل مقعدها بجامعة الدول العربية في القمة العربية التي ترأستها العربية السعودية في 19 ماي 2023. وهي تواصل عملها على مساعدة الشعب الليبي لتحقيق الوحدة الوطنية عبر انتخابات نزيهة يشارك فيها الجميع، مع إصرارها على عدم التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، مهما كانت طبيعته بما فيها هي. بينما تدعم الشقيقة تونس لتجاوز مرحلة الصداع السياسي، والتراجع الاقتصادي الذي تعيشه منذ فترة، مع الترديد دوما بأن تونس دولة مستقلة ذات سيادة، ولن تتركها لقمة سائغة للأجنبي، بعدما أصبحت أطراف خارجية تتناولهل كملف دولي، تقام لأجله الاجتماعات الدولية للفصل فيه، كما أنها تشتغل في صمت لرأب الصدع بين الأشقاء السودانيين، وقبلها الأزمة المصرية الاثيوبية حول سد النهضة…
هي قضايا ومواقف جعلت من دول العالم تقف احتراما لسياسة الجزائر المتبعة في معالجة القضايا الدولية، ببقائها على نفس المسافة مع جميع الأطراف، كما أنها لا تتعدى على سيادة أية دولة، فأصبحت تتعامل وفق سياسة الند للند، ومنطق رابح رابح دون تأثير قضية على قضية أخرى، وقد اتضح هذا في علاقتها مع إسبانيا، فبعدما خرق “سانشيز” رئيس حكومتها القوانين الدولية والدوس على أحكام الأمم المتحدة فيما يخص القضية الصحراوية، وتعمده مساندة المغرب المستعمر بمحاولة فرضه سياسة الأمر الواقع عبر إصراره على إخضاع الشعب الصحراوي للاستقلال الذاتي عوض تقرير المصير، فقد غيرت الجزائر سياستها التعاونية مع إسبانيا عبر تقويضها لحجم التعاون مع حكومته، بينما حافظت على علاقة الصداقة والتعامل الجيد مع الشعب الإسباني، في حين تزامن ذلك مع انتهاء مدة عقد تمرير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية نحو إسبانيا، ولكنها لم تتحجج بفتور علاقتها مع إسبانيا بل اتخذت سبيلا آخر يسمح بتغطية حاجة أوروبا للغاز، باعتماد الأنبوب المار إلى إيطاليا عبر تونس. كما أنها لم تخل بعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا ولم تطعن روسيا، بعدما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، ولازالت تدعو إلى الحوار بين الجانبين، وقبلها لم تتورط في الحرب اليمنية الخليجية، وظلت إلى اليوم ترفع شعار “الجلوس إلى طاولة الحوار… أصدق حل للمشاكل”، وكذلك بالنسبة للمشاكل بين السعودية وإيران، فهي لم تمل إلى جانب على حساب آخر.
وفوز الجزائر اليوم بعضوية مجلس الأمن الأممي، سيمنحها الفرصة، لتقوم بدورها كاملا في معالجة القضايا، وتقديم الأفضل للقارة السمراء، عبر نصرة ملفاتها التي لازالت شائكة، وإعطاء الدعم للشعوب الافريقية لتحقيق مزيد من الاستقلال الاقتصادي، واحتكار الغرب للموارد وهيمنة الشركات الكبرى على اقتصاديات بلدانها، بعدما بدأت في استيفاقتها وسعيها إلى للتخلص من مستعمريها الكلاسكيين، في ظل التغيرات الجيوسياسية الدولية، عبر الجلوس مع الغرب وانتهاج سياسة الند للند، لبحث كل الملفات، في طليعتها “الحرقة” التي تعتبر ملف ضغط على أوروبا، بربطه ببناء اقتصاد افريقي يفتح مناصب شغل ويوطن الصناعة، وتوفير ما يبحث عنه الافريقي بأوروبا، لأنه من غير المعقول أن تكون أوروبا تستغل خيرات افريقيا وتستعبد شعوبها، وتوفر للفرد الغربي الرفاهية، وتمتص عرق الافريقي وتجعله بشرا من الدرجة الدنيا، وتحمل شمال افريقيا مسؤولية حماية حدودها البحرية من الحراقة، فشمال افريقيا ليس شرطي حدود لحماية أوروبا، وحل مشكلة الهجرة غير الشرعية بيد أوروبا لا افريقيا.
وتبقى الجزائر تشتغل على كل الملفات التي تخدم افريقيا والشرق الأوسط والعالم الثالث عموما، سائرة على مبدأ الحياد ونصرة المظلوم، واقتراح الأفضل، محافظة على أنها مركز ثقة الجميع، ومحور اهتمام القاصي والداني لتحقيق السلم والتنمية والأمن العالمي.
بقلم: وردة. ق