ثقافة

عبد الصمد الشنافي، صانع محتوى، يغوص في الوثائقيات، صارخا: حرروا الإدارة واقنعوا رجال الأعمال بالاستثمار في السينما

بدا الطالب الجامعي، الشاب “عبد الصمد الشنافي” ينبض بالطاقة الإيجابية، ويتحاشى الحديث عن الانكاسارات والعوائق، في حديثه الخاص إلى موقع “ديزاد كاب”، وهو يواصل مسيرته في خوض ما يعيشه العالم اليوم من تحدي، وهو “صناعة المحتوى” عبر استغلال كل الأدوات التكنولوجية المتاحة، وهي الفرصة التي مكنته من الاستحواذ على جائزة التحكيم في المسابقة الوطنية الجامعية لأفلام الموبايل التي نظمت لأول مرة بولاية ميلة.
وبمناسبة فوزه بالجائزة، استقبله موقع “كاب ديزاد” بمكتبه، وأجرى معه هذه الدردشة الخفيفة:

كاب ديزاد: أهلا بالمخرج ورافع التحدي “عبد الصمد الشنافي”، كلمنا قليلا عن الجائزة التي حظيت بها والظروف التي أحاطت المسابقة؟
عبد الصمد الشنافي: مرحبا؛ جائزة لجنة التحكيم في المسابقة الوطنية الجامعية لأفلام الموبايل بميلة، جاءت للعمل الذي شاركت في منافسة ضمت 42 عملا من مختلف ولاية الوطن. أعتبرها حافزا لي وتحميلي المسؤولية مواصلة العمل لتوثيق ما يحفظ ذاكرتنا كجزائر وتراثنا وتاريخنا، لاسيما وأن العمل الذي قدمته، تناول شخصية ثورية تاريخية، لا يمكن التغاضي عنها وعن الخدمات الجليلة التي قدمتها في سبيل الوطن، حتى أنها قدمت روحها فداء، إنه شهيد المقصلة “أحمد زبانة”. وقد سمحت لنفسي أن أتقمص شخصيته على مدار 6 دقائق و8 ثواني، تحدثت على لسانه، وأمطت اللثام عن الكثير من زوايا الظل، التي غالبا ما تم إغفاله خلال الأعمال التي تناولت سيرته، على غرار فقدانه لعينه، وقبلها توضيح مكان ولادته، فالكثير يظن أنه “معسكري” المولد، لكن الحقيقة أنه ابن “المدينة الجديدة بوهران، لكن في زمن الاستعمار، كانوا يدونون ميلادهم بالمناطق التي ينتمون لها كالعروش والقبائل (يقصد قبيلة)، وهو جده كان معسكريا، فتم تسجيله هناك، إلى جانب التعريج على شهادات ما جاء على لسان عائلته ومن عايشوه عن قرب، لقد كان عملا مميزا لانني تناولته بطريقة مختلفة عن الأعمال التي تناولته سابقا.
كاب ديزاد: قدم لنا توضيحا حول “أفلام الموبايل”، ما معناه؟ وكيف يتم عمله؟
عبد الصمد الشنافي: أفلام الموبايل يقصد بها تلك الأعمال التي تتناول موضوعا، يتم تصويره بالهاتف النقال أو الموبايل، لأنه يتم بتقنيات حديثة جدا، إلى جانب أنه سهل الحمل والاستخدام ، ويغني عن الأدوات الكلاسيكية المعروفة لدى الجميع من كاميرا، ميكروفون، إضافة… إلخ. كما أنه يسمح بتصوير جميع الزوايا وبدرجات مختلفة.
كاب ديزاد: هل هذا يعني أننا وصلنا مرحلة التخلي عن الكاميرا والميكروفون لالتقاط الصوت والضوء … إلخ؟
عبد الصمد الشنافي: لا، هذا غير ممكن، تبقى الكاميرا وميكروفون التقاط الصوت سيدا الميدان، لكن التكنولوجيا اليوم، تتطور بسرعة وتمنحنا الفرصة لاختصار الوقت وجمع أكبر قدر من المادة المتاحة.
كاب ديزاد: فيما يخص فيلمك “شهيد المقصلة”، كم استغرقت من الوقت لإنتاجه؟ وهل اكتفيت فقط بالموبايل في تنفيذه؟
عبد الصمد الشنافي: استغرق العمل 15 يوم بدون توقف، منها أسبوعا كاملا موجها التركيب. إنتاجه تطلب مني الاستعانة بالحاسوب، لأجل التركيب، الميكساج، الإضاءة وباقي تفاصيل العمل، لأن الموبايل يفتقد لهذه التقنيات، وبالتالي لابد من الاعتماد على كثير من الأجهزة التكنولوجيا، لإنتاج عمل يستحق المشاهدة.
كاب ديزاد: هل سبق لك وأن شاركت في مسابقات أخرى وطنية أو دولية؟
عبد الصمد الشنافي: نعم، سبق وشاركت في تظاهرة نظمتها ولاية “سطيف” حول الحد من العنف. وقد اخترت “ماذا لو؟” عنوانا العملي الذي دار حول العنف المنزلي، وتناولت فيه انعكاسات المشاكل بين الزوجين وانفصالهما على ابنتهما. كما بعثت بعمل آخر إلى ولاية بومرداس خلال فترة جائحة “كورونا”، وبعد قبوله من لجنة الانتقاء، تم إلغاء التظاهرة بسبب الجائحة وما لازمها من منع التنقلات.
أما فيما يتعلق بالمشاركات خارج الجزائر، فأنا أحاول رفع التحدي في ذلك، لكن أحوالي المادية غير كافية ولا تساعدني. لقد سبق وأن استدعيت للمشاركة في مسابقة نظمتها دولة “تونس” في 2016، تناولت الصورة، وعندما حان موعد السفر، اصطدمت بانعدام الموارد المالية التي تغطي لي تكاليف الرحلة، فألغيت الوجهة. فأنا طالب جامعي لا عمل قار لدي ولا مدخول مستقر.

كاب ديزاد: بما أنك اتجهت لصناعة المحتوى، لماذا اخترت مجال “الوثائقي” بدل حذو طريق “صناع المحتوى” الذين يعتمدون على الكوميديا أو السطحية والمواضيع البسيطة وأحيانا التفاهة لنيل متابعة واسعة؟
عبد الصمد الشنافي: أنا طالب بكلية العلوم الاجتماعية، ومنذ صغري أميل للوثائقيات، لأنها تستنطق الماضي وتوثق المستقبل. والمعلومة التي تتناولها هي معلومة ذات قيمة فكرية، تاريخية وعلمية، فهي تحافظ على الذاكرة حية، معطياتها متجددة لا تنضب، والجزائر بالضبط تزدحم فيها المعلومة التاريخية وتتعدد فيها الحضارات والغوص فيها يستمر لسنوات، فهي بلد خصب للاستفراد بتاريخها ورجالاتها وأحداثها وذكرياتها المادية واللامادية، التي تُستنطَق في كل زمن ومكان.

كاب ديزاد: هل هناك شخصيات تاريخية ترغب بتناولها مستقبلا؟
عبد الصمد الشنافي: نعم، في مقدمتها العظيم “الأمير عبد القادر”، لدي تصور مغاير ومختلف عن كل الأعمال التي تناولته، لأن أسلوب معالجتي التاريخ برجاله وأحداثه، مختلف عما كنا نشاهده، لدي تقنية أخرى في معالجته، تسمح بتقبله والإقبال عليه من طرف الجمهور.
أنا أبحث عن كل ما يبعد أعمالي عن السقوط في جب التكرار والسطحية، وأسعى لاكتشاف كل ما يجعل أعمالي محل إشادة من المتابعين لها، ومن الأعمال التي ترسخ بذاكرة من يشاهدها. تذكرت أنني أحلم بانتاج فيلم عن “الرايس حميدو” هذا الشخص الذي بقي رمزا من رموز التاريخ.
كاب ديزاد: كيف ذلك؟
عبد الصمد الشنافي: لنلتفت إلى تركيا، تركيا حولت بلدها إلى محج للسياحة، هي لم تفكر كثيرا، اتجهت للصناعة السينمائية والأعمال الفنية والثقافية. فقد اعتمدت على التسويق لصورتها السياحية عبر المسلسلات التاريخية والإنتاجات الفنية والثقافية، فقد روجت للسياحة عبر بوابة التاريخ. لكن نجاحها في ذلك، كلفها أموالها طائلة، وتجهيزات ضخمة.
علينا الاهتمام بالصناعة السينمائية والترويج لبلدنا الجزائر عبر أعمال في المستوى وترقى لتلك الأعمال التي نشاهدها عند غيرنا، وأحدثت لدينا غزوا ثقافيا، والدليل الاهتمام الكبير الذي تلقاه الأعمال التركية لدى المجتمع الجزائري والعربي عموما، فهي استحوذت على العقل ورسخت الفكرة التركية الراقية، لاسيما المسلسلات التاريخية، التي استغلتها بشكل ذكي ودقيق للغاية.
كاب ديزاد: هل الدولة الجزائرية تقوم بدورها في المجال الفني والثقافي اتجاه أبناء القطاع وصورتها المسوقة خارجا؟
عبد الصمد الشنافي: في واقع الأمر، لصناعة سينمائية حقيقية، لابد من توفر عنصرين هامين وضرورين وهناك الدولة ورجال الأعمال، فعلى الدولة الجزائرية أن توفر لنا الشق الإداري، عندما تنتصر على البيروقراطية الإدارية، وتتحول الإدارة إلى مرفق في خدمة قاصدها والمواطنين سواء أمامها، وقتها يمكننا الانتقال إلى الحديث عن الأعمال الثقافية والفنية ذات الوزن الثقيل. من غير الممكن أن تذهب للإدارة لاستخراج استمارة أو وثيقة معينة، عملك مرتبط بحصولك عليها، وتمضي أسابيع وأنت في ذهاب وأياب ولا تتمكن منها، رغم أن الوثيقة المعنية، قانونية والحصول عليها حق مكفول دستوريا. مثل هذه التصرفات الإدارية، غالبا ما تتسبب في إفشال عمل قائم، لوجود مواعيد ثقافية وفنية مجددة بتاريخ معين، ومحاولة الانضمام لها بعد مروره غير ممكن، كالمشاركة في المعارض والمسابقات سواء داخليا أو دوليا، الإنتاجات المشتركة وغيرها.
أما فيما يخص رجال الأعمال، فلابد من تحفيزهم وتشجيعهم على دخول عالم الصناعة السينمائية، وانا في “هوليوود” مثال، كثير من الأعمال المنتجة هناك، سهر على تمويلها وتدعيمها وتسويقها رجال أعمال، لأنهم يحققون مكاسب مالية طائلة بعد عرضها في المناسبات والتظاهرات ودور العرض والسينما، فشباك التذاكر أيضا تحقق لها أضعاف ما قامت بصرفه على العمل السينمائي.
وهنا، اسمحوا لي بفتح قوس للإشارة إلى افتقار بلدنا إلى دور العرض، عندما ينتج أحدهم عملا يصطدم بانعدام قاعات لعرض عمله، وهو ما يستدعي الدولة الجزائرية للتكفل بهذا الجانب، لاسيما وأن عديد دور العرض السينمائية التي كانت تعج بها الجزائر خلال السبعينات والثمانينات، تم إهمالها ومعظمها تحول إلى مقاهي ومحلات، تنازلت عنها البلديات لغرباء بالدينار الرمزي.
كاب ديزاد: هناك منتجين يشتكون من غياب المشاهد، ما تعليقك؟
عبد الصمد الشنافي: المشاهد يتابع ما يغذي شغفه، ويستجيب لرغباته ويوافق ثقافته وآرائه، فالمنتج هو من يجلب المشاهد، عبر توفير ما تم ذكره سابقا، لنيل رضاه وثقته ليكون وفيا لأعماله.
كاب ديزاد: كلمة أخيرة؟
عبد الصمد الشنافي: كلمتي هي عبارة عن نداء أوجهه مباشرة إلى الدولة الجزائرية ومسؤوليها: حرروا الإدارة وشجعوا رجال الأعمال على ولوج عالم الصناعة السينمائية، لأنها استثمار ناجح والجزائر أرض خصبة لتنفيذ مشاريع فنية وثقافية تسوق للعالمية، إذا أحيطت باهتمام القائمين على الثقافة.
تحياتي لكل طاقم موقع “كاب ديزاد” وأتمنى أن يساهم في دعم الثقافة والفن عبر إيصال رسائل أبناء القطاع إلى من يهمهم الأمر. شكرا

من هو “عبد الصمد الشنافي”؟

هو شاب من الغرب الجزائري، يزاول دراسته بجامعة وهران 2، في كلية العلوم الاجتماعية، مغرم بكل ما له علاقة بالوثائقيات والتاريخ، يطمح لأن يصبح مخرجا سينمائيا يقارع نجوم العالم في هذه الصناعة. اتجه إلى خوض غمار “صناعة المحتوى” لإثبات وجوده وغرس بذرة أحلامه عبر شبكة العنكبوتيات ليصل إلى خيوط الصناعة السينمائية والإنتاج، عبر عيون عشاق أعماله على مواقع التواصل الاجتماعي، وفهم رغباتهم وما يلبي رغباتهم. يبحث عن التجديد ومعالجة الأعمال الفنية بطريقة مميزة وفريدة، تكسبه مكانة وثقة لدى الجمهور، الذي يعتبره رأس ماله.
استطاع أن يفتك أول جائزة له في أول مسابقة رسمية يخوضها، وفي أول طبعاتها وهي جائزة “لجنة التحكيم” التي نالها مؤخرا، خلال مشاركته في المسابقة الوطنية الجامعية لأفلام الموبايل بميلة، بعدما اختير عمله “شهيد المقصلة” من بين 18 عملا تم قبولهم من ضمن 42 عملا وصل لجنة الانتقاء.

حاورته: وردة. ق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق