منوعات

مساهمة الأسرة في الدعم والمرافقة النفسية والاجتماعية خلال فترة إخفاق الأبناء في شهادة التعليم المتوسط

 

يشكّل الإخفاق في شهادة التعليم المتوسط محطة فارقة في المسار الدراسي للتلميذ، إذ يخلّف آثارًا نفسية واجتماعية لا تمسّ الفرد فحسب، بل تمتدّ إلى الأسرة بأكملها. ففي مجتمع يربط النجاح المدرسي بالشرف العائلي وضمان المستقبل، يتحوّل هذا التعثّر الدراسي إلى أزمة قد تهزّ ثقة التلميذ بذاته، وتضع الأسرة أمام مواقف متباينة، تتأرجح بين التوبيخ والاحتواء.
من هذا المنطلق، تكتسب المقاربة السوسيونفسية (الاجتماعية النفسية) أهميتها في تفكيك أبعاد هذه التجربة، وقراءتها في سياق يتجاوز مجرد “رسوب دراسي”، نحو فهم أعمق يتعلق بالهوية، التقدير الذاتي، والديناميكيات الأسرية.
الإخفاق الدراسي… حين يتحوّل إلى عبء رمزي
لا يُنظر إلى الرسوب في شهادة التعليم المتوسط باعتباره تعثرًا عابرًا، بل يُحمَّل أبعادًا رمزية تتصل بالكرامة والمكانة والنجاح، ما يجعله عبئًا نفسيًا مضاعفًا على التلميذ. فمشاعر الخذلان، العار، وانهيار الثقة بالنفس، بل وحتى رفض الذات، تصبح حاضرة بقوة في هذه المرحلة الحرجة.

 

عقلية الفشل… نتاج منظومة أسرية ومجتمعية
تشير المقاربة السوسيونفسية إلى أن عقلية الفشل لا تنبع فقط من التلميذ كفرد، بل هي حصيلة شبكة من التفاعلات الاجتماعية والتربوية، منها:
توقعات الأسرة والمجتمع التي تتجاوز أحيانًا قدرات التلميذ الحقيقية.
أنماط التربية القائمة على المقارنة والتوبيخ بدل التحفيز والدعم.
ضعف التقدير الذاتي لدى التلميذ، خاصة عند غياب خطاب تربوي متوازن.
اختزال النجاح في الحظ أو الامتياز الاجتماعي، عوض ربطه بالاجتهاد والتحسن الذاتي.
الأسرة… من مصدر ضغط إلى رافعة دعم
ترى الباحثة في علم الاجتماع، الدكتورة مريوة حفيظة، أن دور الأسرة يمكن أن يتحوّل من عامل ضغط نفسي إلى مصدر دعم نفسي واجتماعي حقيقي، إذا ما غيّرت نظرتها للإخفاق الدراسي. ومن أبرز التحولات المطلوبة:
1. التقبّل غير المشروط: على التلميذ أن يشعر بأن محبة والديه لا ترتبط بدرجاته أو بنجاحه المدرسي.
2. فصل النتيجة عن الذات: “لقد رسبت” لا تعني أبدًا “أنا فاشل”.
3. لغة الأمل: تبني خطاب إيجابي من قبيل “هذه كبوة، لا تعني النهاية”.
4. الإنصات دون إصدار أحكام: خلق مساحة آمنة للتلميذ للتعبير عن الخيبة أو القلق دون خوف من التأنيب.
نحو استراتيجيات أسرية فعّالة لتجاوز الإخفاق
من أجل مرافقة نفسية واجتماعية فعالة بعد الإخفاق، يمكن للأسرة اعتماد الخطوات التالية:
1. إعادة تعريف الفشل: بوصفه تجربة تعليمية، وفرصة للنمو لا نهاية الطريق.
2. تعزيز التواصل العاطفي: الإنصات المتعاطف يساعد على تخفيف التوتر النفسي.
3. تجنّب المقارنة: احترام خصوصية كل تلميذ، وسيرورة تطوره الشخصية.
4. بناء خطة مشتركة: إشراك الابن في وضع أهداف صغيرة واقعية، تعيد له الشعور بالقدرة.
5. الانفتاح على البدائل: من قبيل التكوين المهني أو إعادة السنة دون شعور بالنقص أو الفشل.
6. تعزيز الاستقلالية: منح التلميذ حرية مسؤولة في اتخاذ قراراته، مما يعزز ثقته بنفسه.
من الفشل تبدأ قصص النجاح
إن تجاوز الإخفاق الدراسي لا يحتاج إلى حلول خارقة، بل إلى أسرة مدركة، داعمة، ومرنة. في مجتمعات لا تزال تربط النجاح بالشهادات والأرقام، آن الأوان لإعادة تعريف النجاح بأنه “القدرة على النهوض بعد كل سقوط، والتعلّم من كل تجربة”.
تؤكد المقاربة السوسيونفسية أن الطفل أو المراهق لا يُبنى فقط من خلال نتائجه الدراسية، بل على قاعدة من التوازن الأسري، والدعم العاطفي، والتقدير الاجتماعي الواقعي. وعندما تعيد الأسرة النظر في طريقتها بالتعامل مع الإخفاق، فإنها لا تُعيد فقط بناء شخصية التلميذ، بل تضع أسس ثقافة تربوية أكثر نضجًا وتفاؤلا.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق