مزاد... كاب ديزاد
الاستقلال… من الذاكرة إلى الالتزام

د. مريوة حفيظة
أستاذة محاضرة بجامعة وهران 2 – مختصة في علم الاجتماع
قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة وهران 2
تحلّ ذكرى الاستقلال كل عام محمّلة برمزية وطنية عالية، تُوقظ في الضمير الجمعي صور التضحيات الجسام، ووجوه الشهداء الذين غرسوا شجرة الحرية بدمائهم. لكن هذه المناسبة تتجاوز بعدها الاحتفالي لتطرح تساؤلًا جوهريًا:
– كيف يواصل الجيل الجديد مسؤولية الوفاء لما قدّمه الشهداء من رسائل ومبادئ؟
في عالم يتغير بوتيرة متسارعة على المستويات الاجتماعية والثقافية والرقمية، لم يعد الحفاظ على الاستقلال مجرّد قضية تحرير أرض، بل أصبح رهانًا حضاريًا ومعرفيًا طويل الأمد. وهو ما يستدعي إعادة التفكير في دور الأجيال الجديدة في تجديد معاني الاستقلال وتجسيدها في مشروع وطني حيّ يتجدد ولا ينقطع.
من الشهادة إلى الاستمرارية: مقاربة سوسيوتاريخية
في هذا السياق، تؤكد الدكتورة مريوة حفيظة على أهمية المقاربة السوسيوتاريخية التي تُبرز العلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر، بين الرمز والواقع، بين ما أنجزته النخب الثورية، وما يُنتظر من الأجيال المعاصرة إنجازه. فالاستقلال لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل تحولًا جذريًا في البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع الجزائري. ومن هنا ينبثق السؤال الجوهري:
– كيف نحوّل الذاكرة إلى وعي، والوعي إلى مشروع، والمشروع إلى التزام جماعي؟
إن استحضار تضحيات الشهداء لا يعني فقط تمجيدهم، بل تحويل رسالتهم إلى برنامج عمل جماعي يعكس روح التحدي والإرادة والتضحية في مختلف مجالات الحياة.
من سوسيولوجيا الوفاء إلى أفعال يومية، في ضوء علم الاجتماع، فإن القيم لا تعيش في الشعارات، بل تتجسّد في السلوك الجمعي. وبالتالي، فإن الوفاء للشهداء، لا يُقاس بالأقوال أو المناسبات، بل يتجلى في:
_ احترام القانون والنظام العام.
_ محاربة الفساد بكل أشكاله.
_إتقان العمل والارتقاء بجودة الأداء.
_تشجيع الإنتاج الوطني وروح المبادرة.
_الدفاع عن السيادة المعرفية والثقافية من خلال دعم البحث العلمي والإبداع المحلي.
هذه الممارسات اليومية تشكّل جوهر الوفاء الاجتماعي الحقيقي، وتجعل من الاستقلال فعلا حيًا ومتجددًا، لا مجرد ذكرى تُحتفل بها في الروزنامة الوطنية.
من الذاكرة إلى الفعل: مسؤولية الأجيال الجديدة إذا كان الجيل المؤسس قد انتزع النصر بالتضحيات من أجل أن تعيش الجزائر حرة مستقلة، فإن الجيل الحالي مطالب بتحقيق النصر التنموي والثقافي، وذلك عبر:
_ تعزيز ثقافة المسؤولية الفردية والجماعية عبر مؤسسات التربية والإعلام والتكوين.
_ دعم المبادرات الشبابية ذات الطابع الوطني، التي تُجسّد القيم الاستقلالية في مشاريع واقعية ومبدعة.
_ تثمين الذاكرة الوطنية بوسائل حديثة وتفاعلية تُعيد تقديم التاريخ بأسلوب يُلامس وجدان الجيل الرقمي.
_تحصين السيادة الرمزية للوطن من خلال صون الرموز الوطنية واحترامها، وحمايتها من التمييع والنسيان.
الاستقلال عهدٌ لا ينقضي
تؤكد الدكتورة مريوة حفيظة أن الاستقلال ليس مجرد محطة تاريخية، بل عهدٌ متجدد ومسؤولية جماعية لا تسقط بالتقادم. فـ”الوفاء الحقيقي للشهداء” لا يتحقق إلا بتحويل الذاكرة إلى قوة وعي جماعي، تتجسد في:
مؤسسات قوية،
نخب ملتزمة،
مجتمع منتج ومُحصّن بالقيم الوطنية.
لقد كان الاستقلال بداية الطريق، أما الاستمرارية فهي معركة الوعي.
جيل الأمس حرّر الأرض، وجيل اليوم مطالب بتحرير الفكر، وترسيخ قيم المواطنة، وصون الوطن من كل أشكال التبعية والاختراق.
فالاستقلال ليس مجرد ذكرى نحتفي بها، بل أمانة في أعناق الأجيال… ومسؤولية تتطلب الفعل لا التذكّر فقط .
“تحيا الجزائر… مجد الأمس، وعزّ الحاضر، وأمل المستقبل”