منوعات
دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الترفيه والتعلّم خلال العطلة لدى الأطفال

بقلم الدكتورة مريوة حفيظة كلية العلوم الاجتماعية قسم علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا
جامعة وهران 2
تُمثّل العطلة المدرسية لدى الأطفال فترة انتقالية حيوية، ينتقلون خلالها من الالتزام الصارم بالدراسة إلى فضاء أوسع من الحرية والاستكشاف. هذه المرحلة قد تحمل آثارًا مزدوجة: إمّا أن تصبح فرصة لتعزيز الصحة النفسية وتنمية المهارات الاجتماعية، أو تتحوّل إلى فراغ سلبي يولّد مشكلات سلوكية ونفسية.
ويبرز هنا الدور المركزي للأسرة في توجيه هذا الوقت، بما يضمن توازناً بين الترفيه الذي يُشبع الحاجات النفسية، والتعلّم الذي يدعم النمو المعرفي والاجتماعي.
كيف يمكن للأسرة أن تحقق توازنا فعالاً بين الترفيه والتعلّم خلال العطلة لدى الأطفال؟ وما انعكاسات ذلك على الصحة النفسية والتكيف الاجتماعي لديهم؟
– الترفيه ودوره في التوازن النفسي للطفل
يُعدّ الترفيه عنصرا جوهريا في حياة الطفل، إذ يتيح له فرصة التفريغ الانفعالي والتخفيف من التوتر والضغوط النفسية الناتجة عن الروتين المدرسي.
-أهمية اللعب: يساهم اللعب الحر والموجَّه في تنمية الإبداع، والخيال، والقدرة على حل المشكلات. فالألعاب الجماعية تعزز روح التعاون والعدالة، بينما تساعد الألعاب الفردية على التركيز وتنمية المهارات الذهنية.
-الأنشطة البدنية والفنية: الرياضة، والرسم، والموسيقى ليست فقط وسائل للتسلية، بل أدوات تربوية تنمّي الثقة بالنفس والانضباط الذاتي.
-المخاطر عند غياب التوجيه: الإفراط في استخدام الشاشات أو الانغماس في نشاط ترفيهي وحيد قد يؤدي إلى العزلة، ضعف التواصل الاجتماعي، واضطرابات سلوكية.
من منظور نفسي، فإن الترفيه يخفف الضغوط ويعزز مرونة الطفل النفسية؛ ومن منظور اجتماعي، يتيح له تجربة التفاعل وبناء علاقات إيجابية مع الأسرة والأقران.
– التعلّم خلال العطلة وأهميته التربوية
التعلّم خلال العطلة يختلف عن التعلّم المدرسي الصارم؛ فهو مرن وغير إلزامي، ويهدف إلى تنمية مهارات الطفل بشكل طبيعي ومتدرج:
-المطالعة والأنشطة الثقافية: تُنمّي التفكير النقدي والفضول المعرفي لدى الطفل.
-المهارات الحياتية: المشاركة في الأعمال المنزلية، إعداد وجبات بسيطة، أو إدارة مشروع صغير داخل الأسرة، تعزز الاستقلالية والمسؤولية.
-الاستمرارية المعرفية: التعلّم غير الرسمي يحافظ على دافعية الطفل ويمنعه من فقدان المهارات المكتسبة خلال العام الدراسي، ما يعزز شعوره بالكفاءة.
من منظور نفسي، يحافظ التعلّم على التوازن العقلي والانتباه، ومن منظور اجتماعي، يرسخ قيم الانضباط والمشاركة والتعاون.
– دور الأسرة في تنظيم أوقات العطلة
الأسرة تشكّل البيئة الاجتماعية الأولى للطفل، وهي المسؤولة عن إدارة التوازن بين الترفيه والتعلّم:
-التخطيط المسبق: وضع جدول مرن يوزّع الوقت بين أنشطة ترفيهية وتعليمية يضمن استفادة الطفل من العطلة بشكل متوازن.
-توفير بدائل بنّاءة: الرحلات، النوادي الصيفية، ورش العمل، أو الألعاب التفاعلية تساعد الطفل على اكتشاف مهاراته.
-الحوار الأسري والمتابعة: التحدث مع الطفل حول اختياراته وتشجيعه على تنظيم وقته يعزز شعوره بالمسؤولية ويطور مهارات اتخاذ القرار.
-المرونة: مراعاة احتياجات الطفل النفسية والاجتماعية يمنع الشعور بالضغط ويحافظ على استمتاعه بالعطلة.
دور الأسرة هنا هو المرشد والمنظم والمشجع في الوقت ذاته.
– أثر التوازن بين الترفيه والتعلّم على الصحة النفسية والاجتماعية
تحقيق التوازن له تأثيرات واضحة على نمو الطفل:
-نفسيًا: خفض مستويات القلق والتوتر، تعزيز الثقة بالنفس، تطوير القدرة على مواجهة المشكلات والتحديات.
-اجتماعيًا: تحسين مهارات التواصل، تنمية روح التعاون والانتماء، تعزيز التكيف مع المواقف الجديدة.
-سلوكيًا: يقلّل من الميل إلى العزلة أو التصرفات العدوانية، ويعزز الانضباط الذاتي والقدرة على تنظيم الوقت.
بمعنى آخر، الطفل الذي يعيش عطلة متوازنة يكون أكثر استعدادا للعودة إلى الدراسة بنشاط وحيوية، وأكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع المجتمع.
يتضح أنّ العطلة المدرسية لدى الأطفال ليست مجرد فترة للراحة، بل فرصة تربوية ثمينة تتطلب وعيًا أسريًا بأبعادها النفسية والاجتماعية. نجاح الأسرة في تحقيق توازن مدروس بين الترفيه والتعلّم يساهم في حماية الطفل من آثار الفراغ السلبي، ويعزز صحته النفسية وقدرته على التكيف الاجتماعي، مما يبني شخصية متوازنة قادرة على مواجهة تحديات الحياة.
فالعطلة فرصة للأطفال لاستكشاف العالم بأنفسهم، فهي ليست فراغًا، بل بداية لتعلّم الحياة.”
ويبرز هنا الدور المركزي للأسرة في توجيه هذا الوقت، بما يضمن توازناً بين الترفيه الذي يُشبع الحاجات النفسية، والتعلّم الذي يدعم النمو المعرفي والاجتماعي.
لذلك، الاستثمار الواعي لأوقات العطلة ليس ترفًا، بل مسؤولية تربوية أساسية وفرصة لبناء جيل سليم نفسيًا واجتماعيًا.



