مزاد... كاب ديزاد

الأمير عبد القادر… يطل من أعالي المرجاجو

عاد “الأمير عبد القادر” ليشغل الرأي العام المحلي وحتى الدولي بعد تداول قرار رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون” القاضي بتشييد تمثال للأمير عبد القادر، يكون بأعلى جبل المرجاجو، يعلو كنيسة “سانتا كروز” بالعاصمة الثانية للجزائر، الباهية وهران وبالقرب من مسجد “الطلبة” المشيد منذ مدة هناك، مرتكزا على 5 أعمدة ترمز لأركان الإسلام، وسيفه الذي يحمله مصنوع من الليزر ويشير إلى القبلة مباشرة، على أن يكون بارتفاع 42 متر.
وبين مؤيد ورافض للميزانية التي رصدت له والمقدرة ب120 مليار سنتيم، عاد التذكير بمناقب الرجل الذي كان له الفضل في تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة، والذي خذلته سلطات المغرب عندما احتمى بها، فأجبرته على الاستسلام لفرنسا الاستعمارية، وبعدها تم نفيه، وقد أكمل حياته بالمنفى الذي احتضنه بسوريا الشقيقة. فالأمير عبد القادر إبن محي الدين المعروف بإسم عبد القادر الجزائري ولد بمعسكر بغرب الوطن سنة 1808م
 ليس رجلا عاديا، لم يكن محاربا فقط، بل كان فقيها، قارئا، شاعرا وكاتبا، ألف كتب عدة مؤلفات، وافته المنية، بدمشق في 26 ماي عام 1883، عن عمر ناهز 76 عاما، وفي عام 1965 تم نقل جثمانه إلى الجزائر العاصمة ودفن في المقبرة العليا. لكن وجوده الرمزي ظل إلى اليوم مرافقا للجزائر دولة وشعبا، ومفخرة للجميع، واختيار ولاية وهران لاحتضان تمثاله، ليس اعتباطيا، فالباهية تعتبر العاصمة الاقتصادية للجزائر، وهي تتكفل بأهم المؤتمرات، المعارض، الندوات والملتقيات الدولية، وقد سجلت علامة فارقة في احتضان تظاهرات أخرى كتظاهرة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، المهرجان الدولي للفيلم العربي… فهي تضم فضاءات بمقاييس دولية تسمح لها بأن تكون سفيرة للجزائر بامتياز وتسويق أبهى صورة عنها، إلى جانب الطبيعة الساحرة التي تتزاوج فيها خضرة الجبال والغابات برمال ساحلها الممزوج بالرمال الذهبية والصخور. وكلما زارها ضيف، رغب في القيام بجولة للتعرف عليها والاختلاط بسكانها فيكتشف معنى الكرم والترحاب، لكن من لا يصعد إلى قمة المرجاجو “سانتاكروز”، فكأنه لم يزر وهران نهائيا، فالقمة بمثابة بطاقة تاريخية للمنطقة.
وهو ما يعني أن تمثال الأمير عبد القادر سيكون ملخصا لتاريخ ثري جزائري خالص، ويدفع بالجاهل بتاريخ الجزائر إلى البحث عن تاريخ الجزائر والغوص فيه، وستستعيد الجزائر هويتها الأصلية، من الصعود إلى “سانتاكروز” إلى “الأمير عبد القادر” مثلما حدث بالجزائر العاصمة من كنيسة “لافيجري” إلى المسجد الأعظم، فهي أعلى قمة، تسمح برؤية شاملة لوهران، ولكن رسالته الحقيقية هي أن الجزائر في رحلة التطور والتقدم بعيدا عن أية وصاية، فهي معتادة على الانبعاث من الرماد، مثلما أسس الأمير عبد القادر الدولة الجزائرية الحديثة، والجزائر تحت نيران سلاح أقوى قوة عسكرية استعمارية، فالجزائر قادرة على بناء مؤسساتها واتخاذ قراراتها من طرف أولادها الوطنيين، لأن رحمها مازال خصبا ولّادا لا ينضب.
فالتاريخ والهوية لا يقدران بثمن، والأمير عبد القادر لا يمكن وزنه بالمال، فهو شخصية خالدة لازالت بحاجة إلى التكفل بدراستها بطريقة معمقة في البرامج الدراسية، فأعتى الجامعات الدولية لازالت تهتم بشخصه وتدرسه، حتى أمريكا سمت مدينة لها باسم الأمير عبد القادر.
والاهتمام بالشخصيات التي صنعت التاريخ الجزائري وساهمت بقوة في بناء الدولة الوطنية، تعتبر عملات نادرة مثل أحجار اللؤلؤ، بحاجة إلى مسح الغبار بطريقة لطيفة، للحفاظ على لمعانها في سماء صناع التاريخ ونجوم الشخصيات الخالدة.
بقلم: وردة. ق
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق