وطني
الأستاذ بجامعة السوربون “جمال بن كريد” يصرح لموقع “كاب ديزاد”:”تصريحات ماكرون محاوَلة لتغطية سمعة فرنسا السيئة، وهذه حقيقة علاقة فرنسا بالجزائر وإفريقيا”

بعدما أثارت التصريحات “الغبية” لماكرون ردود إفريقية قوية، كشفت الرفض الشعبي والرسمي لما جاء في كلمته أمام السفراء الفرنسيين في لقائهم السنوي منذ يومين، وأكدت تيهانه وضياع بوصلة الذاكرة لديه، وفشله في تحقيق أحلامه على حساب الجزائر شعبا وحكومة وإفريقيا عموما، التي انتفضت دولها مؤخرا ضد تواجد فرنسا بأراضيها وقامت بطردها. أجرى موقع “كاب ديزاد” حوارا مع الأستاذ بجامعة السوربون “جمال بن كريد”، هذا ما جاء فيه:
- الرئيس الفرنسي “ماكرون” تحدث عن الجزائر مبرزا أن علاقات جيدة تربط فرنسا بالشعب الجزائري، داعيا إلى تخطي إشكالية التاريخ والانطلاقة في رؤية جديدة للعلاقات تحكمها المصالح، في رأيكم لماذا تواصل فرنسا الهروب إلى الأمام وترفض الاعتراف بجرائمها في الجزائر؟
الرئيس “ماكرون” قال أن الجزائر تمثل الطفل الفرنسي”، في الإشكالية العامة، الجزائر بالنسبة لفرنسا هي حاضنة ولها حصانة دائمة ومستدامة، أي في وجدان ماكرون الجزائر تمثل جزء لا يتجزأ من التفكير المثالي والتاريخي لفرنسا مهما كان الزمن. منذ الاستقلال فرنسا تظن أن الجزائر جزء منها مهما كان النظام المتداول، أي أن السياسة الفرنسية بصفة عامة هي أبوية في المضمون التاريخي والموضوعي وماكرون بصفة خاصة، يمثل القائل باسم التاريخ الأسود للذاكرة الاستعمارية.
إن وضعية العلاقات بين فرنسا والجزائر ليست جدية وهي دائما تعيش دوامات مرحلية، لوجود مشكلة تاريخية بين الجزائر وفرنسا تتعلق بالاعتراف بالإبادة الجماعية التي عاشها الشعب الجزائري عن طريق المجازر التاريخية والتي تمثل فيروس جماعي في الوعي والعقل الفرنسي. اليوم “ماكرون” هو رئيس ضعيف من الناحية السياسية والاجتماعية في المجتمع الفرنسي وعن طريق هذه البيانات يريد اكتساب الشرعية التي تعطي له حجة بناء علاقة شفافة وموضوعية في نفس الوقت، “ماكرون” يريد تخطي المأزق الذي تعيشه فرنسا عن طريق المراوغة السياسية لأنه يوجد في طريق مسدود. وفرنسا تريد محو التاريخ والاستبداد التاريخي حتى لا تكون مسؤولة عن جرائمها التاريخية إبان الاستعمار من جهة، وتريد فتح صفحة جديدة حتى يتسنى لها الهروب من الواقع المؤسف الذي تعيشه. إن الرؤية إلى الجديد التي تزعم فرنسا الوصول إليها هي دائما مهيأة عن طريق الرؤية الافتخارية للحضارة الفرنسية المزيفة، إن الهروب من الواقع يكرس النظرة السلبية لفرنسا فيما يخص علاقتها مع الجزائر، فرنسا لا تريد أن تعترف بجرائمها لأنها تعرف أنها ستدفع ثمنا باهضا للجزائر كما فعلته للكيان الصهيوني وهي تدفع له سنويا.
- ما تعليقك بخصوص تصريح “ماكرون” بخصوص الجزائر مع مواطنها “صنصال”؟
الجزائر ليست بحاجة إلى تأويلات ووصايات طفيلية. الجزائر دولة ذات سيادة مطلقة، وتدخلات “ماكرون” عبارة عن استهزاء بالسيادة الوطنية والذاكرة الجماعية للشعب الجزائري. انحطاط مستوى “ماكرون” يدل على التناقضات الموجودة في الذاكرة التاريخية لفرنسا، و”ماكرون” عبارة عن دمية في أيادي القوات الرجعية، الذين لا يريدون أن يروا الجزائر متطورة ومزدهرة. تدخل ماكرون فيما يخص الجزائري “صنصال” عبارة عن كوميديا لتشويه سمعة الجزائر.
إن النقاش والمراوغات والجدال فيما يخص قضية “صنصال” عبارة عن منتوج فرنسي ماكروني لتغطية السمعة السيئة لفرنسا التي تعيشها اليوم.
- الرئيس الفرنسي تحدث عن ملف التأشيرة، وبدا ممتعضا من الوضعية الأوروبية في هذا الشأن، لأن منع فرنسا للبعض، تجيزه دول من الاتحاد الأوروبي، هل يشير هذا إلى تخوفه من تصدع الاتحاد الأوروبي؟
إن سياسة الحصص تمنع فرنسا أن يكون لها تدخل في شؤون سياسات بعض الدول التي أمضت على اتفاقية شنغن.
حتى تكون لها سياسة مفتوحة وسهلة فيما يخص التأشيرة، فرنسا قررت إغلاق الحدود باسم النضال ضد الهجرة غير الشرعية، ومن هذا المنطلق دخلت فرنسا في صراع سياسي وإداري في نفس الوقت مع البلدان الأوربية وبالخصوص ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، هذه البلدان التي تعتبر مكونا أساسيا لسوق الاتحاد الأوروبي. فانكمشت فرنسا في سياستها العدائية ضد الأجانب لأنها تعيش أزمة اقتصادية حادة وسياسية أيضا، ناهيك عن إفلاس الإطار الدستوري والنظام السياسي غير المتجانس، والذي يعطي الأولويات للسياسة الرجعية واليمينية المتطرفة التي تنمو وتغذي البرامج السياسية لليمين واليمين المتطرف. إن استعمال التأشيرة كمبرر للاحتواء السياسي بالنسبة لمشكلة الهجرة تمثل كابوسا خطيرا للسياستين الداخلية والخارجية الفرنسية. اليوم فرنسا ليست قادرة على التحكم في السياسة الخارجية الأوروبية ولا تستطيع التأثير على السياسات الخارجية للبلدان الأوروبية.
إن الاختلافات المتباينة في السياسة الخارجية للبلدان الأوربية وفرنسا وصلت إلى ذروتها العليا، ومثال على ذلك الموقف غير المشرف لسياسة فرنسا فيما يخص حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني. إيرلندا وإسبانيا والبلدان الاسكندنافية أخجلت وأقلقت المواقف البائسة الفرنسية، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على سياسة الغرور من جهة والتصهين من جهة أخرى.
- “ماكرون” صرح أنه سيتم التعامل بالمثل، الدول التي ترفض استعادة الحراقة يتم خفض التأشيرات لمواطنيها، هل هذا يحل أزمة “الحرقة” أم يساهم في زيادتها؟
تصريحات “ماكرون” غير واقعية، من جهة يقول لابد أن تكون هجرة شرعية عن طريق فتح الباب للطاقات العلمية والموارد البشرية من النخبة، ومن جهة يقول إن فرنسا لا تستطيع أن تكون وكرا للهجرة غير الشرعية، ومن هذا المبدأ المعاملة بالمثل فيما يخص مشكلة الهجرة، هي مجرد كلام فارغ ليس له حكمة، لأن استعادة الحراقة هو رهين السياسات القادرة لبعض الدول التي تستعمل الهجرة غير الشرعية كمقياس ومعيار مالي، مثل المغرب الذي يقبض 60 مليون أورو سنويا مقابل حراسة الحدود البحرية الأوروبية.
من المستحيل أن ملف الحرقة أو الهجرة غيستطيع أن يجد حلولا موضوعية، لأن أغلب العقوبات لا يمكن أن تطبق على أرض الواقع. أظن أن الهجرة غير الشرعية ستزيد حدتها، لأن فرنسا ليست لها سياسة واضحة في هذا الإطار، خفض التأشيرات كلام غير واع وليس حقيقيا، لأن منذ أعوام وفرنسا تستعمل سياسة بخيلة لأن عدد التأشيرات في انخفاض كبير ولا يمكن لماكرون أن يأتي اليوم ويقول لنا أن خفض التأشيرات سيحد من الحرقة.
- بدا افتراء الرئيس “ماكرون” واضحا، وهو يصرح أن الجيش الفرنسي غادر بعض الدول الأفريقية بقرار منه، في حين أن دولا عديدة كانت قد طردت فرنسا والعملية متواصلة بالقارة السمراء، كيف تفسر مغادرة فرنسا وهل هو إنهاء لتواجدها بافريقيا؟
إن الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا ميزة من مميزات البعد الاستعماري الفرنسي المستمر منذ عدة عقود، لكن اليوم هنالك تغيرات جيواستراتيجية برهنت أن الامتداد الفرنسي في افريقيا فشل في وجوده الخبيث، لأن فرنسا هي التي أنتجت الإرهاب الموجود في افريقيا.
فرنسا هي التي تورط السياسة البائسة لإفريقيا، فرنسا لها مسؤولية كبيرة عن سيرورة الانتعاش لاقتصادي والثقافي والاجتماعي ولا تستثني السياسات التي تمثل الانحطاط التقدمي. إن الافلاس السياسة الفرنسية في إفريقيا من جهة وبوجه الخصوص في البلدان الساحلية يمثل إفلاسا وضعته فرنسا في مواجهة التحديات الحديثة على الطاولة، طُردت وغادرت فرنسا من إفريقيا لعدة أسباب، ومنها الأسباب السياسية الجهنمية لماكرون، إن السياسة التي بنيت على إقصاء الغير والعزلة من المشاركة والمساهمة في التطور الذي أدى إلى طرد فرنسا من الساحة السياسية الافريقية، لأنه ليس لها مصداقية للسياسة الجديدة في بلدان الساحل مالي، النيجر، السنيغال بوركينافاسو.
- فرنسا تبدو مرتبكة وهي تطلب من الاتحاد الأوروبي ضرورة إعادة تنظيم خارطة الطريق في تعامله مع إفريقيا، ما الذي يزعجها؟
الإزعاج هو عجز سياسي منحط، فرنسا كانت دائما في أوائل البلدان المتميزة سياسيا وعسكريا عن طريق رؤية ونرجسية تشمل السياسة الخارجية للفضاء الافريقي. ماكرون قال في كلمته أمام الاجتماع السنوي للسفراء الفرنسيين بالعالم: “فرنسا ليست في تراجع في افريقيا إنها ببساطة واضحة تعيد التنظيم”، نرى في تصريحات ماكرون الوبائية” وغير المسؤولة انزعاج كبير له، لأنه لم يجد طريقة عقلانية يعيد بها سياسته الحالية من الأفكار المتجددة والتي تنطبق على الوجود الحقيقي للسياسة السلبية لفرنسا في افريقيا بصفة عامة وبعض البلدان بصفة خاصة.
- كيف يمكن أن تصلح فرنسا علاقاتها مع الجزائر خاصة وافريقيا عامة؟
لا وجود لانفراج لفرنسا مع الجزائر، إن الاشكالية ليست في البنية التاريخية، المشكلة في طبيعة العلاقة السياسية والاقتصادية مع الجزائر.
لدينا عدة مشاكل معها وفرنسا لا تريد الإجابة على هذه المشاكل، تزعم أنها تبني علاقة صحيحة لكن ذلك غير صحيح. هل وجدت حلول للذاكرة في إطار اللجنة المشتركة؟ الجواب هو أنه ليست هناك أجوبة وحلول موضوعية وقانونية فيما يخص الوضعية لعديد الملفات (ملف رقان، التجارب النووية التي لم تعط تعويضات للأشخاص المتضررين من هذه التجارب الجهنمية التي لا يستطيع التفكير فيها وفي نتائجها غير المقبولة).
الاتفاقيات الاقتصادية، التي لا ترى أي تطور من الجهة الجزائرية، فرنسا تريد بيع منتوجاتها ولا تسمح للإنتاج الوطني أن يدخل الأسواق الأوروبية مثل الحديد والصلب، المواد الزراعية والإنتاج الصناعي والتجاري والخدمات بصفة عامة. منع لكل إرادة جزائرية استثمارية في المجالات العلمية والمعرفية والبحث الفكري والمنظومة التربوية التي تعاني من مشاكل.
إن السبيل الوحيد لتصلح فرنسا علاقتها مع الجزائر خاصة وافريقيا عامة، هو كنف الاحترام المتبادل والمشاركة المتبادلة على مبدأ المراسلات بين أطراف النزاع، احترام الغير فيما يخص هويته وأصوله وليست السلوكيات التي تبنى على الغرور واحتقار الغير. أما فيما يخص افريقيا لابد أن تكون فرنسا مفتوحة على الحقيقة الموضوعية وإنهاء النهب المستدام للثروة من جهة، ووقف إفقار المجتمعات الإفريقية التي لها ثروات هائلة تستطيع أن تتأهل لمرحلة التطور والنمو الاقتصادي عن طريق علاقات سياسية سامية أي أن الشفافية تكون في المستوى المستحق.
حاورته: غزالة. م