وطني
حافلات جديدة غائبة عن وهران… و”الترقيع” يهدد حياة المواطنين

ح. نصيرة
تعيش حظيرة حافلات نقل المسافرين بولاية وهران حالة اهتراء غير مسبوقة، وصلت إلى حدود وصفت بالخطيرة والكارثية. فمنذ عقود لم يتم تجديدها، ما جعلها اليوم عبئًا ثقيلًا على الناقلين والمواطنين معًا. وكشف منسق المكتب الولائي للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، معاد عابد، في تصريح خص به “كاب ديزاد”، عن وجود ما يقارب 12 ألف حافلة مهترئة على مستوى الولاية، مؤكّدًا أن الحافلات الجديدة “لا وجود لها إطلاقًا” في وهران، في ظل الانشغال المتكرر حول غياب قطع الغيار الأصلية.
ترقيع محفوف بالمخاطر
وبحسب المتحدث، فإن الوضع الحالي دفع العديد من أصحاب الحافلات إلى اللجوء لما أسماه “الترقيع”، باستعمال قطع غيار مقلدة أو مشابهة لا تناسب مركباتهم، وإدخال تعديلات عليها بشكل عشوائي. هذه الحلول المؤقتة – يضيف معاد عابد – تشكل تهديدًا مباشرًا لأرواح المواطنين، إذ أن نتائجها لا يمكن أن تكون سوى حوادث وكوارث مرورية.
وأشار منسق “الإيجيسيا” إلى أن ملف الترخيص لاستيراد الحافلات الجديدة استغرق سنوات، في وقت أعلن فيه وزير النقل مؤخرًا أن ما لا يقل عن 84 ألف حافلة على المستوى الوطني بحاجة إلى تجديد، من بينها 12 ألفًا تخص ولاية وهران وحدها.
4000 حافلة فقط في الخدمة
أما بخصوص الحافلات التي لا تزال تسير فعليًا، فقد أكد معاد عابد أن عددها لا يتجاوز 4000، في حين تشير الإحصائيات الرسمية إلى ضعف هذا الرقم تقريبًا، أي 8000 حافلة. وهو ما وصفه المتحدث بتناقض صارخ بين الواقع وما هو مدوّن على الورق.
هذا التباين ينعكس بشكل مباشر على المواطن، الذي يعاني يوميًا من أزمة نقل خانقة، سواء بسبب نقص الوسائل أو بسبب رداءة الخدمات الناجمة عن الحالة المتدهورة للحافلات.
دعوة إلى الحوار والتنظيم
وشدّد المتحدث على أن معالجة الملف تتطلب دقة وواقعية، وذلك عبر فتح قنوات حوار جاد مع الشركاء الاجتماعيين، واستقبالهم في جلسات عمل تعرض فيها جميع الانشغالات بموضوعية. فالفوضى التي يعرفها القطاع – حسبه – لم تعد مقبولة، ولا بد من تنظيم شامل يضع حدًا للتجاوزات التي يدفع المواطن ثمنها يوميًا.
كما لفت معاد عابد إلى أن مسؤولية مطابقة الحافلات لمعايير السلامة لا تقع على عاتق الناقلين فقط، بل تشمل كذلك مختلف الجهات المكلفة بالمراقبة التقنية. وهنا أشار إلى وجود 12 مؤسسة مراقبة تقنية في وهران مطالبة بالتحلي بالصرامة وعدم السماح بمرور أي مركبة تعاني من خلل تقني يهدد سلامة الركاب، بدل الاكتفاء بـ”ترقيعات” سطحية.
أسعار باهظة وعزوف عن الاستثمار
من جهة أخرى، أوضح المتحدث أن مديرية النقل تشترط منذ البداية أن تكون الحافلة جديدة لاعتماد أي خط نقل، في حين أن الواقع يعكس صورة مغايرة تمامًا، حيث يسير جزء كبير من الحافلات وهي في حالة اهتراء. هذا التناقض ساهم في عزوف الكثير من المستثمرين عن دخول القطاع، لاسيما أمام الارتفاع الخيالي لأسعار الحافلات الجديدة، التي تفوق المليار سنتيم، وهو ما دفعهم للاتجاه نحو أنشطة خدماتية أخرى أقل تكلفة وأقل تعقيدًا.
حوادث متكررة وخطوط متهالكة
ولم يتردد منسق “الإيجيسيا” في إعطاء أمثلة حية عن خطوط لا تزال تُستغل بحافلات مهترئة للغاية، على غرار خط 5 الرابط بين سيدي الحسني وحي بلونتار، حيث لا يزال الناقلون يعملون بحافلات قديمة تفتقد لشروط السلامة. ويرى أن إنقاذ القطاع يستدعي الإسراع في دعم الحظيرة بحافلات جديدة، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار الأسعار المرتفعة، وضرورة إشراك الشركاء الاجتماعيين في وضع التصورات والحلول العملية.
151 ناقلًا أمام لجنة التأديب
إلى جانب الاهتراء والتقادم، تبرز مظاهر فوضى أخرى في قطاع النقل الحضري، أهمها تكديس الركاب بشكل يتجاوز طاقة الحافلات. وقد أكدت مديرية النقل بوهران أن هذه التجاوزات باتت ظاهرة يومية، حيث تتم إحالة الناقلين المخالفين على لجان التأديب. ومنذ بداية شهر جوان فقط، تم تحويل 151 ناقلًا إلى هذه اللجان، بسبب مخالفات متنوعة، من بينها تغيير المسارات بشكل غير قانوني، نقل ركاب دون رخصة، غياب شروط النظافة، عدم مطابقة التذاكر، إضافة إلى الزيادة في عدد الركاب.
ويرى مسؤولو الاتحاد أن مثل هذه التجاوزات لا تهدف سوى إلى تحقيق ربح سريع على حساب راحة وسلامة المواطنين، ما يزيد من تفاقم أزمة النقل.
نحو مقاربة تشاركية لإنقاذ الحظيرة
وفي ختام حديثه، شدّد معاد عابد على أن الخروج من هذه الأزمة يتطلب إرادة سياسية واضحة، ورؤية تشاركية تُشرك جميع الفاعلين في القطاع، بدءًا من مديرية النقل وصولًا إلى النقابات والناقلين. وأكد أن الاستماع إلى الشركاء الاجتماعيين لم يعد خيارًا بل أصبح ضرورة ملحّة لتنظيم القطاع وتجديد حظيرة الحافلات، حمايةً للمواطنين، وحفاظًا على استمرارية نشاط حيوي يعد من أساسيات الحياة اليومية