وطني
الأستاذ بجامعة السوربون، “جمال بن كريد” لموقع “كاب ديزاد”: “لهذا السبب سيتجاوز الرئيس “تبون” زيارته إلى فرنسا وهذا ما ينتظر الجزائريين”

مع انتهاء الانتخابات الرئاسية وفوز “عبد المجيد تبون” بثقة الشعب الجزائري لعهدة ثانية، يتطلع الرأي العام إلى ما ستفضي إليه القرارات والالتزامات التي سيتم تنفيذها داخليا وكيف سيتم تسيير العلاقات الخارجية، خاصة التي تربط الجزائر بفرنسا ومصير الزيارة التي وعد بها الرئيس “تبون” إلى فرنسا شهر أكتوبر القادم، خلال عهدته الأولى، ولتسليط الضوء أكثر، تواصل موقع “كاب ديزاد” مع المحلل والأكاديمي “جمال بن كريد”، الأستاذ بجامعة السوربون، وكان الحوار الآتي:
• ما للانتخابات الرئاسية بالجزائر؟
إن الوضعية الحالية في الجزائر على المستوى السياسي، يوضحه قرار الانتخابات المسبقة المتخذ، وذلك لقطع الطريق أمام كل الأعداء، لاسيما وأن الانتخابات تعد وسيلة لإثبات الشرعية السياسية لرئيس الجمهورية، حيث جاءت في وقتها لأن الجزائر تعيش وضعا خطيرا وصعبا في نفس الوقت، بالنظر لما يجري على حدودها، إقليميا وحتى دوليا.
• ما الذي يمكن أن تضيفه العهدة الرئاسية الثانية ل”تبون” لمستقبل الجزائر ؟
إن هذه العهدة الثانية والأخيرة، هي عبارة عن امتحان حقيقي للرئيس لإتمام المشروع السياسي، الاجتماعي والاقتصادي. إن رئيس الجمهورية سيطبق برنامجه حتى يتسنى له أن يكون في موعد مع التاريخ.
• كيف ترى مستقبل الجزائر داخليا وخارجيا بعد فوز الرئيس “تبون” بالعهدة الثانية؟
إن مستقبل الجزائر في الخارج سيكون محورا هاما، لأنه يفتح تطلعات هامة على الساحة الدولية، لأن هناك تغيرات كثيرة جدا. ومن هذا المبدأ، نرى أن الجزائر لابد أن تلعب دورا محركا في العلاقات الدولية، التي تحمل في طياتها تأويلات لبناء عالم مهيكلا في عدة أقطاب. أما فيما يخص مستقبل الجزائر في الداخل لابد أن يكون للرئيس “تبون” ورقة طريق جديدة مرتكزة على التطور الاقتصادي وتحسين القدرة الشرائية للمواطن من جهة. ومن جهة أخرى، تستطيع أن تبني مستقبل الجزائر الداخلي لابد أن ينحصر في مستقبل الديمقراطية من الناحية السياسية والازدهار الاجتماعي ورفع المستوى المعيشي من الناحية الاقتصادية.
• هل توجد إرهاصات بأن الرئيس “تبون” سيغير سياسته الخارجية، بناء على ما أفرزته الديبلوماسية الخارجية في العهدة الأولى؟
إن الإرهاصات ضرورية للديبلوماسية الخارجية، لأن المعيار الجديد وهو فوز الرئيس بعهدة جديدة، سيؤدي إلى تغيير بعض المنعطفات الديبلوماسية. والمثال على ذلك هو انتماء الجزائر في البنك المركزي للبريكس. أما الجانب الثاني، الذي لابد الإشارة إليه هو تحسين المواقف الديبلوماسية في الفضاءات الجديدة والتكيف مع بعض المستجدات الدولية.
• العلاقات الجزائرية الفرنسية خاصة جدا، وفرنسا اليوم على صفيح ساخن، كيف ترى مستقبلها مع الجزائر؟
العلاقات الجزائرية الفرنسية كانت وستبقى خاصة جدا، لأن التاريخ لم يصحح الأضرار التي عاشها الشعب الجزائري، وفرنسا اليوم تعيش مأزقا سياسيا جذريا.
إذا نظرنا إلى الموقف الفرنسي باتجاه الجزائر على العموم، فهذا لم يتغير. ولكن اليوم كالعادة الديبلوماسية، نرى اليوم أن الرئيس “ماكرون” قد هنأ الرئيس الجزائري، وهذا إن دل فإنه يدل على أن إرادة فرنسا السياسية هي جلب الجزائر لقطبها حتى تحمي مصالحها. أما فيما يخص السياسة الداخلية الفرنسية فهي كالعادة كر وفر بين اليمين المتطرف واليسار.
أرى أن مستقبل العلاقات بين الجزائر وفرنسا سيتطور لأنه ليس هناك طريق آخر ولأن التاريخ يشمل الشعبين.
• هل سيجرؤ “ماكرون” ويغير موقفه من القضية الصحراوية، التي كانت سببا في سحب السفير الجزائري؟
عندما نحلل بطريقة سياسية الموقف الفرنسي فيما يخص القضية الصحراوية، فنجد أن فرنسا كدولة لها حصة القرار في مجلس الأمن.
أولا، فرنسا كانت وما تزال في القطب الرجعي للقضايا التحررية ومن هذا المبدأ لا أظن أنها تغير موقفها من القضية الصحراوية. فرنسا كدولة استعمارية تحمل في طياتها المبدأ الاستعماري للشعوب المحتلة، ومن هذا المنطلق أقول وأشهد بأن فرنسا لها مصالح خاصة مع المخزن ولا تريد خسارتها.
• سبق وأعلن الرئيس “تبون” أن زيارته إلى فرنسا ستكون أكتوبر القادم، هل يبدو لك أنها ستتم أم سيتم تجاهلها مثلما حدث في مواعيد سابقة؟
أظن أن الرئيس “تبون” لن يذهب إلى فرنسا، لأنه يرى أن هناك مصالح أخرى مع الدول مثل تركيا وأمريكا، ولهذا السبب أظن أنه لن يزور باريس، لأن العلاقات مازالت متوترة وشهر أكتوبر سيأتي بعد اسبوعين اي انه يستحيل تحضير الزيارة في هذه الظروف وسيتم تجاهلها نهائيا، ولأن الأوضاع السياسية في فرنسا غير متوازنة وغير مستقرة.
• لو تنجح الضغوطات التي يتلقاها اليوم الرئيس “ماكرون”، وتزيحه من منصبه، كيف سيكون مستقبل فرنسا وما تأثير ذلك على الجالية الجزائرية؟ وهل سيكون على خليفته تحسين العلاقات مع الجزائر؟
لو يستقيل “ماكرون” من منصبه سيكون بمثابة طوفان سياسي بالنسبة للغرب، خاصة وأن فرنسا دولة قوية وذات مصداقية في الساحة الدولية. أعتقد أن هذه الوضعية تستطيع أن تكون كزلزال للمؤسسات الفرنسية، فيما يخص مؤسسات الحكوكة والرئاسة ومجلس الدستوري والمجلس الشعبي ومجلس الشيوخ.
• أيا من الدولتين الجزائر وفرنسا تملك أوراق ضغوط مهمة ضد الأخرى؟ وهل يمكنك تقديم أمثلة؟
إن مستقبل فرنسا منهمك في الوضعية السياسية الحالية، والتي تعتمد على إيجاد آليات للخروج من الأزمة الدستورية التي لها تداعيات سياسية. أما فيما يخص تأثيرها على الجالية الجزائرية، فإن الجالية كانت دائما تخضع لسياسة الأحزاب التي توجه أو تسير السياسة الفرنسية. فإذا كان اليمين هو الذي له الأغلبية في البرلمان، فهذا يساعد الحكومة الجزائرية، لأنها كانت دائما تميل إلى السياسة الديغولية. أما فيما يخص الأوراق التي تستطيع أن تضغط بها الجزائر، هي سوق المحروقات بصفة عامة والغاز بصفة خاصة، لأن سوق الغاز يشهد تغيرات هيكلية في شتى المجالات وخاصة الجيوسياسية، لاسيما الوضعية غير الآمنة بمحور البحر الأحمر عن طريق باب المندب.
• انضمام الجزائر إلى بنك البريكس، ما الذي سيقدمه للجزائر؟
وجود نظام الجزائر في بنك البريكس يمثل خطوة إيجابية للانضمام إلى هذه المنظمة الإقليمية. إن انضمام الجزائر يعني أن لها إمكانيات مالية ونقدية هائلة من السيولة وخاصة احتياطي الصرف ب80 مليار دولار.
• رغم القرارات المتخذة في أعلى هرم السلطة، إلا أن الشعب مازال يشعر بالإحباط، لماذا؟ وكيف يمكن بعث الأمل بنفسه؟
إن المرحلة الحالية على المستوى السياسي والاقتصادي يؤثر على معنويات الشعب الجزائري، الذي يعيش ظروف قاسية من الناحية الاجتماعية والتغيرات السياسية وحتى البيئية. ومن هذا المنطلق نستطيع القول أن قناعة الشعب وثقة الشعب في السلطة ليس في الأفق الإيجابي. إذ ثقة الشعب اليوم غير مؤهلة لإعطاء ضمان سياسي للدولة والسلطات. والطريق الوحيد لإعطاء الثقة بين الشعب والسلطة هو إنشاء البديل عبر تواصل مبني على الشفافية وحسن النية من الطرفين. إن ثقة المواطن في السلطة تكون عندما تكون هبة الدولة في المستوى الايجابي.
• كيف تعزز الجزائر مكانتها بالخارج؟
الجزائر تستطيع تعزيز مكانتها الدولية في الخارج عن طريق تجنيد الكفاءات الخالصة الديبلوماسية، وإعطاء القوى والإمكانيات السياسية لديبلوماسية شجاعة، مثل موقف الجزائر من حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني.
• كلمة أخيرة؟
شكرا على اهتمامكم وبالتوفيق دوما.
حاورته: غزالة. م