وهران
“كاب ديزاد” تزور المجاهدة أيقونة الكفاح الجزائري بلبراهيم خيرة بمناسبة العيد العالمي للمرأة: المرأة الجزائرية وفيّة للعهد

ح/نصيرة
تُحيي الجزائر على غرار دول المعمورة اليوم العالمي للمرأة المصادف لـ8 مارس، ولتاريخنا العريق دلالة قويّة ترتبط بدور المرأة الجزائرية التي رافقت شقيقها الرجل في رحلة الكفاح إبان الثورة التحريرية، وهذا الكفاح لن يبقى مُتخفّيا في مساحات الظل، طالما أن هناك من ينقل تفاصيل الذاكرة، لهذا ارتأت “كاب ديزاد “بطاقمها الإعلامي إحياء المناسبة بتخليد نضال المرأة المجاهدة، فكانت لنا زيارة إلى منزل البطلة بلبراهيم خيرة الكائن بحي بلقايد بولاية وهران، عرفانا وتقديرا لكفاحها الذي صنع بطولات تجعلنا ننعم اليوم بالحرية وحب الوطن.
واستقبلتنا المجاهدة خيرة بلبراهيم التي تقدّم سنها إلى 84 عاما، بحماس لسرْد تاريخها النضالي، حتى أن محطات توقّفت عندها جعلتنا نشعر وكأنها في رعيان شبابها، تستذكر كل التفاصيل دون تعب أو نسيان، كيف يكون هذا وهي التي لم تتوقف عن سرد ذاكرة أرادت من خلالها أن تعطي درسا بأن المرأة إبان الثورة كانت داخل وخارج المنزل وقفت إلى جانب الرجل بشجاعة في ساحة المعركة.
المرأة إبان الثورة وقفت إلى جانب الرجل بشجاعة في ساحة المعركة
وتلك التفاصيل انطلقت من حي بلونتار العريق إلى الحمري العتيق، مرورا إلى بلاطو وغيره من الأحياء التي شهدت بطولات الأمجاد بوهران، والمجاهدة خيرة بلبراهيم من مواليد شهر ديسمبر 1940 بسيدي علي “كاسان سابقا” كان عمرها أربع سنوات لما ترعرعت بولاية وهران، فاستذكرت لما كانت تعيش في قلب الحي العتيق ببلونتار لحظة أن والدتها كانت ملتحقة بالنضال، دون أن يدرك أفراد العائلة ذلك، وهي بدورها أيضا التحقت بالكفاح إبان الثورة دون أن تعلم عائلتها أنها مجاهدة تقوم بتوصيل السلاح إلى الفدائيين حتى يقومون بعمليات فدائية ومنه كانت تقوم بعد ساعة أو ساعتين باسترجاعه كي تنقله إلى فدائيين آخرين.
لحظة التحاق المجاهدة بلبراهيم خيرة سرّا عن عائلتها بالكفاح انطلاقا من بلونتار والحمري
في منتصف عام 1958، التحقت المجاهدة بلبراهيم خيرة بصفوف الثوار، في مهمة نقل السلاح للفدائيين، وهي تذكر قبل ذلك كيف تحلّت بالنزعة الثورية، في العام 1956، لما زار منزلهم قريبهم المجاهد شاشو محمد ، مع شعشوع، فرآها “صغيرة” في السن ولا ينفع أن تلتحق بالكفاح على أساس أنه خشي أن يُلقى عليها القبض ولا تدرك كيف تتصرف.
لكن زادها الوضع الذي كانت تعيشه الجزائر من ويلات الإستعمار الفرنسي، إصرار على أن تنظم إلى صفوف الثوريين، وتقول: “المرأة كان عندها دور كبير داخل البيت وخارجه…وقت الثورة كنت في رعيان شبابي، بدأت في جويلية 1958، وخضعت إلى تجريب وتدريب… والدتي كانت تراني أغادر المنزل وكنت أبكي لأخرج من بيتنا الكائن في حي بلونتار وعملت على منعي من الخروج دون أن تعلم سببه خوفا علي… والدتي لم تكن تعلم بأنني أكافح إلى صف الثوار”.
رمت بنفسها من “باطيمات بلونتار” لأن الاستعمار كان يلاحقها
وسردت لنا المجاهدة خيرة بلبراهيم قصتها مع الحدث الذي تناقلته صحيفة “ليكو دواران” آنذاك لما رمت بنفسها من الطابق الخامس من عمارات حي سيدي الهواري التاريخية وهي المعروفة بعمارات الشهيد سي التوفيق “باطيمات بلونتار” المقابلة لمقبرة سيدي غريب، وأطلعتنا عن سبب رميها بنفسها في كونها كانت ملاحقة من الإستعمار الفرنسي، ويومها تم تطويق جميع النواحي ولم تجد منفذا للهرب، ففضلت الرمي بنفسها لأنه يمنع الكشف عن أسرار الثورة.
المجاهدة البطلة تعرضت إلى إلقاء القبض عليها مرتين، في العام 1960، عندما شهدت الجزائر مظاهرات تم اعتقالها وأُخلي سبيلها، وفي 23 فيفري 1961، ألقي عليها القبض ولم تغادر السجن إلا بعد اتخاذ إجراءات توقّع كل يوم السبت بـ”المكتب 2″، وكم حملت وقتها من ذاكرة عن تعذيب وتنكيل بالمجاهدين وشهداء أصواتهم لا تفارقها إلى اليوم.
ومن بين الشهداء الذين رافقتهم البطلة أيقونة الكفاح الجزائري، بلبراهيم خيرة، خلادي محمد، بن سنوسي محمد، وافي، بابي ولد عيادة زيدور، زهار، وغيرهم وحتى أرشيف من الشهداء المحبوسين أمثال بن عرماس عبد القادر، كما حدثتنا عن بن سنوسي الذي اجتاز السجن بالبرواقية وغادر الحبس بعد أن تعرض إلى التعذيب والتنكيل ولكن هذا لم يقطع مهمته إبان الثورة المجيدة، حيث عاد إلى صفوف الثوار.
المجاهدة بلبراهيم: “مهمّتي كانت نقل السلاح إلى الفدائيين”
مهمات كثيرة خاضتها المجاهدة بلبراهيم، وصلت بها إلى غاية غليزان، وتسرد لنا: “حتّمت عليّ الظروف للتنقل… كنت في ذات يوم الشتاء وأخذت طريقي مرورا فيه بحمام الرومية بالقرب عمن عمارات بلونتار ومقبرة سيدي غريب إلى الباسان..كان هناك من يخيفنا ويقول أنه بالقرب من مقبرة سيدي غريب يخرج رجل يرتدي عمامة كوفية فلسطين…أنا رأيته، خفت قليلا لكن اختفى وزال خوفي” ومهمتي في غليزان انتهت دون علم عائلتي.
المرأة الجزائرية رمز الشجاعة و البطولات
البطلة استذكرت وإيّانا لحظات استقلال الجزائر، حيث كانت ترقد في المستشفى إلى غاية ديسمبر 1962، ومع كل التفاصيل، اختارت أن تقدم رسالة إلى المرأة لأن تفتخر بوطننا الجزائر، وأن تستمر في الكفاح الذي يجعل بلادنا في تقدم وازدهار، وتقديم ما يجب من تلاحم مع الرئيس، فالمرأة الجزائرية تقول “مازالت إلى يومنا هذا وفيّة للعهد من خلال مساهمتها في العمل على تطوير البلاد في مختلف الميادين، تماشيا مع القيادة الرشيدة للرئيس، على أساس أن رؤساء الجزائر منذ الاستقلال قدموا ما عليهم.
وتقول أن المرأة رمز الشجاعة والبطولات، وهي رغم سنها تستمر في إيصال رسالة الذاكرة للأجيال عبر التحسيس والتوعية لحب الوطن والتلاحم لبنائه وتقول: “كنا في زمننا نحمل شعار لا نعيش سعداء أو نموت شهداء”.