وهران
دار الذكاء الاصطناعي بجامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا: منصة للبحث المتقدم
نحو ريادة الابتكار والتطوير في الجزائر

جميلة م
تواصل دار الذكاء الاصطناعي بجامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا (USTO-MB) تعزيز مكانتها كمركز أكاديمي رائد يسهم في دفع عجلة البحث العلمي والتطور التكنولوجي في الجزائر، وذلك تحت إشراف الأستاذ الدكتور رضوان تلمساني، الذي يشرف على تجهيز القاعة والمكاتب الخاصة بالدار، من أجل توفير بيئة حاضنة للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لما صرح به الدكتور تلمساني في حديثه مع “كاب ديزاد”، تعد دار الذكاء الاصطناعي منصة أكاديمية متقدمة تسعى إلى تحقيق أهداف عدة لتطوير وتحفيز البحث العلمي في هذا المجال الحيوي. إذ تهدف الدار إلى تزويد الطلاب والباحثين بجميع الأدوات والموارد اللازمة لإجراء أبحاث متطورة في الذكاء الاصطناعي، مما يتيح لهم تقديم حلول مبتكرة. كما أن الدار تركز على دعم المشاريع التي تُعنى بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات حيوية، مثل: الزراعة الذكية، والأمن السيبراني، والتعلم العميق، مع الحرص على ربط الأبحاث النظرية بالتطبيقات العملية.
علاوة على ذلك، تسعى دار الذكاء الاصطناعي إلى تنظيم ورش عمل وندوات ودورات تدريبية دورية، بهدف تطوير مهارات الطلاب والأساتذة في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها العملية. كما تهدف إلى بناء شراكات استراتيجية مع مؤسسات أكاديمية وصناعية، سواء محلية أو دولية، لتعزيز التعاون وتبادل المعرفة وتحفيز الابتكار في هذا المجال الواعد.
من البحث الأكاديمي إلى الحلول التطبيقية
أكد الدكتور تلمساني أن إنشاء “دار الذكاء الاصطناعي” ليس مجرد خطوة أكاديمية، بل هو استجابة للمتطلبات المتزايدة في الجزائر والعالم العربي للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي. ورغم أن الدار لا تزال في مرحلة تجهيز المعدات والتقنيات اللازمة، إلا أنها تمثل نقطة تحول في مجال البحث العلمي.
وتسعى الدار، بدعم مباشر من مدير الجامعة البروفيسور أحمد حمو، إلى جمع الخبرات والموارد لإنشاء بيئة تعليمية وبحثية متكاملة تعزز الابتكار وتوفر حلولًا عملية لمشكلات محلية وعالمية، بما في ذلك التحديات البيئية، التكنولوجية، والتعليمية.
مشروع “PRFU لفرز النفايات” : الذكاء الاصطناعي في خدمة البيئة
إذ تضم الدار مجموعة من المشاريع البحثية التي تجمع بين التحديات الأكاديمية والتطبيقات العملية. ومن بين هذه المشاريع، مشروع “PRFU لفرز النفايات”، وهو مشروع بحثي مبتكر يهدف إلى تطوير نظام ذكي لفرز النفايات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. يعد المشروع جزءًا من برنامج مشاريع البحث التكويني الجامعي (PRFU)، ويعكس حرص جامعة وهران على دمج التكنولوجيا في حل القضايا البيئية.
يهدف المشروع إلى تطوير نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه تصنيف أنواع مختلفة من النفايات، مثل: البلاستيك، الزجاج، الورق، والنفايات العضوية. كما يهدف إلى تحسين عمليات إعادة التدوير وتقليل التلوث البيئي من خلال فرز النفايات بفعالية أكبر. وباستخدام تقنيات إنترنت الأشياء (IoT)، يعمل المشروع على تطوير نظام ذكي لمراقبة النفايات وإدارتها في الوقت الفعلي.
يعتمد المشروع على تقنيات متقدمة، مثل: التعلم العميق (Deep Learning) لتصنيف النفايات بناءً على الصور أو البيانات الحسية، والرؤية الحاسوبية (Computer Vision) لاكتشاف المواد القابلة لإعادة التدوير، بالإضافة إلى تطبيقات البيانات الضخمة والتحليلات الذكية لتحسين استراتيجيات جمع النفايات ومعالجتها. كما يشمل المشروع أيضًا دراسة إمكانية استخدام الروبوتات أو الأذرع الآلية لتنفيذ عمليات الفرز تلقائيًا في مراكز جمع النفايات، مما يعزز الكفاءة ويقلل الحاجة إلى التدخل البشري.
وقد وصل المشروع إلى نسبة إنجاز تقدر بـ 70%، ويقوده البروفيسور رضوان تلمساني، بمشاركة فريق بحثي متميز يشمل الدكتور بن دحمان عبد الرحمن، والدكتور نقاز نبيل، بالإضافة إلى طلبة الدكتوراه، مثل: عزيزي سلمى، وبوخاطب محمد أمين. وعلى الرغم من أن المشروع لا يزال في مراحل متقدمة من العمل، فإن آفاقه المستقبلية واعدة، حيث يطمح الفريق إلى تطبيقه في المدن الذكية ودعمه لبرامج إعادة التدوير في البلديات والشركات البيئية.
مشاريع تطوير تعليم اللغة العربية: استثمار في المستقبل
إلى جانب المشاريع البيئية، تعمل دار الذكاء الاصطناعي على أبحاث تعليمية هامة، من بينها مشروع تطوير تقنيات متقدمة لتحليل بيانات اللغة العربية. في هذا البحث، يستخدم الفريق تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل: التعلم العميق ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP)، لتحسين الأنظمة التعليمية وتطوير أدوات تفاعلية تدعم تعلم اللغة العربية.
يمثل هذا البحث خطوة نحو تحسين جودة التعليم في الجزائر والعالم العربي، من خلال تطوير أدوات تعليمية تفاعلية تسهل تفاعل الطلاب مع المنصات التعليمية عبر الإنترنت، وتوفر تجربة تعلم أكثر تفاعلية وشخصية.
البحث في الأمن السيبراني: مواجهة التحديات الرقمية
يولي الفريق البحثي في دار الذكاء الاصطناعي اهتمامًا خاصًا بالأمن السيبراني، حيث يعمل الباحثون على تطوير أنظمة ذكية قادرة على مكافحة التهديدات الأمنية في الشبكات الرقمية باستخدام الذكاء الاصطناعي. يعتمد هذا البحث على تقنيات التحليل العميق للبيانات والذكاء الاصطناعي للكشف عن الأنماط والهجمات السيبرانية، مما يسهم في تعزيز أمان الأنظمة الرقمية وحمايتها من التهديدات المتزايدة في العصر الرقمي.
علاوة على ذلك، يتيح الجمع بين الذكاء الاصطناعي وأحدث تقنيات التعلم الآلي إمكانية تكوين طبقات أمان متعددة، مما يعزز حماية الأنظمة من مختلف أشكال الهجمات. ولا تقتصر هذه الأنظمة على التفاعل مع التهديدات الحالية فحسب، بل تتمتع أيضًا بالقدرة على التعلم المستمر لمواكبة التحديات الأمنية المستقبلية.
المشاريع المستقبلية: آفاق جديدة في الزراعة الذكية
رغم أن دار الذكاء الاصطناعي لا تزال في مرحلة تجهيز المعدات، فإن التقدم الذي تحقق حتى الآن يشكل خطوة هامة نحو إنشاء بيئة بحثية متكاملة. إذ أكد مسؤول الدار أن المعدات التي يتم اختيارها بعناية ستدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المشاريع البحثية، بما في ذلك الأبحاث في الأمن السيبراني، وفرز النفايات، وتحليل البيانات اللغوية.
ومن بين المشاريع المستقبلية التي تدرسها الدار، يأتي مشروع استخدام الطائرات المسيرة (الدرونز) والذكاء الاصطناعي لتحسين الزراعة في الجزائر. يتضمن هذا المشروع تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة نضج المحاصيل الزراعية، وإدارة الري بطريقة ذكية تعتمد على تحليل البيانات، بالإضافة إلى رصد الأمراض الزراعية باستخدام تقنيات الرؤية الحاسوبية.
يمثل المشروع جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى تحقيق الاستدامة في القطاع الزراعي، وتحسين الإنتاجية من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة لتوفير حلول دقيقة وفعالة للمشاكل التي يواجهها المزارعون.
تمثل دار الذكاء الاصطناعي بجامعة وهران خطوة هامة نحو تعزيز البحث العلمي في الجزائر، حيث توفر بيئة محفزة للابتكار والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي. بفضل تجهيزاتها المتطورة والشراكات الاستراتيجية التي تسعى إلى إقامتها، فإن الجامعة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستويين الإقليمي والدولي أيضًا.