وهران

دعوة لإعادة هيكلة الاتصال والنظافة داخل المؤسسات الصحية: من التسيير التقليدي إلى الرؤية الاستراتيجية

 

جميلة. م
برزت دعوات ملحة إلى إعادة هيكلة المنظومة الصحية، عبر مراجعة المهام الوظيفية الحساسة داخل المؤسسات، وعلى رأسها وظيفة المكلف بالاتصال وتسيير النظافة الاستشفائية، في إطار فعاليات الجامعة الصيفية، التي نظمتها مديرية الصحة والسكان لولاية وهران، وقد شكل هذا اللقاء منصة لطرح رؤى جديدة تدعو إلى الخروج من الأطر الإدارية التقليدية، والتحول نحو إدارة حديثة تواكب تطلعات المواطن وتحديات النظام الصحي المعاصر.

النظافة الاستشفائية: نحو إنشاء مديرية فرعية مستقلة لضمان الجودة الصحية
و في هذا السياق ، دعا الحاج بطواف، مدير الصحة والسكان لولاية وهران، خلال الجلسات النقاشية، إلى خلق مديرية فرعية مستقلة مختصة بالنظافة الاستشفائية داخل المؤسسات الصحية.
وأكد أن هذه الخطوة أصبحت ضرورية أمام التحديات المتزايدة التي تواجه المرافق الصحية، وخصوصا تلك المتعلقة بجانب النظافة، و منع انتشار العدوى وضمان بيئة علاجية آمنة ونظيفة.

وأشار بطواف إلى أن النظافة الاستشفائية لا يمكن أن تظل مجرد مهمة ثانوية يتقاسمها أعوان النظافة أو الإداريون، بل يجب أن تخضع لتسيير محكم ومهني بنسبة لا تقل عن 80% من المعايير الدولية، حتى يمكن تحسين الأداء الصحي العام. وشدد على أن النظافة تعتبر خط الدفاع الأول ضد العدوى والمضاعفات، وأنها شرط أساسي لضمان جودة الرعاية.
واقترح أن تتكون هذه المديرية الفرعية من مختصين في علوم البيئة، علم الأوبئة، والمراقبة الصحية، إضافة إلى مسؤولي تسيير ميداني، تكون مهمتهم تخطيط وتنفيذ برامج النظافة الصارمة، والتنسيق مع باقي الأقسام لتتبع المؤشرات الحيوية المتعلقة بالنظافة والوقاية.
مشيرا ان موضوع النظافة بالمؤسسات الاستشفائية مهمة تستوجب ان تكون قائمة بذاتها و تسييرها يجب أن يكون تسيير محكم و مستقل ليخفف الضغط على مسيري ابﻤؤسسات الاستشفائية و بخلق مديرية قائمة تعنى بهذه المهمة سنقضي على مشكل النظافة بالمؤسسات الصحية.

كما نوه بأهمية التكامل المهني بين مختلف الفاعلين داخل المؤسسة الصحية، داعيا إلى خلق تلاحم حقيقي بين الأطباء، عمال النظافة، الممرضين والإداريين، من أجل تحقيق هدف مشترك: “مؤسسة صحية نظيفة وآمنة”. فالنظافة ليست مسؤولية فردية، بل جماعية، تتطلب وعيا وثقافة مؤسسية قائمة على الانضباط والجودة.

اعادة النظر في وظيفة المكلف بالاتصال أساسي في التسيير الصحي

و في مداخلة الأستاذ جيلالي عباسة ، من جامعة وهران 1، حول الاتصال المؤسساتي والأداء الوظيفي، ركز على أهمية إعادة النظر في وظيفة المكلف بالاتصال داخل المؤسسات الصحية، مشددا على ضرورة الانتقال من مجرد مكلف بالاتصال إلى “المكلف بالاتصال الاستراتيجي”.

حيث أشار الأستاذ عباسة إلى أن الاتصال لم يعد وظيفة تكميلية أو ثانوية، بل أصبح أداة استراتيجية تدخل ضمن أدوات التسيير الحديث (المناجمنت) في المؤسسات. وأوضح أن أي مؤسسة، خاصة في القطاع الصحي، لا يمكن أن تتطور أو ترفع من أدائها دون تطوير وظيفة الاتصال داخلها.
وأكد أن “المكلف بالاتصال الاستراتيجي” يجب أن يكون على دراية شاملة بكل ما يجري داخل المؤسسة الصحية، وأن يساهم في صياغة وتنفيذ استراتيجية اتصالية شاملة، تُعنى بمختلف جوانب الأداء التنظيمي والاجتماعي والخدمي، وتربط بين الإدارة والجمهور الداخلي والخارجي على حد سواء.

وشرح عباسة أن هذا النموذج يتطلب تكوينا خاصا وكفاءة عالية، حيث يكون الموظف المعني على دراية شاملة بكافة أنشطة المؤسسة، مشاركا في صياغة الاستراتيجية العامة، لا مجرد ناقل للمعلومات. كما شدد على أن نجاح المؤسسة الصحية يرتبط بشكل وثيق ببناء منظومة اتصال داخلية فعالة، تعنى بجميع الفاعلين: من إدارة وأطباء إلى عمال ومهنيين، مرورا بالمرضى والجمهور الخارجي.

ووفقا لأبحاث أُجريت في مؤسسات صحية غربية، فإن تطوير أداء الاتصال ساهم في رفع الأداء العام بنسبة تراوحت بين 20% و40%. وهذا يبرهن على أن الاهتمام بوظيفة الاتصال لا يقل أهمية عن الاستثمار في المعدات الطبية أو الموارد البشرية.
وأشار المتحدث إلى ضرورة كسر “الحواجز البيروقراطية” داخل المؤسسات الصحية، واعتماد سياسة “الباب المفتوح” التي تقرب المدير من موظفيه، وتجعله عنصرا فاعلا في ديناميكية الاتصال. كما شدد على أهمية التحفيز المعنوي وتكريم المجهودات، ما يسهم في تحسين بيئة العمل ويعزز من الشعور بالانتماء والفاعلية داخل الفريق الصحي.

انشاء مصلحة اتصال صحية مستقلة لبناء ثقافة اتصالية وصحية متكاملة داخل المؤسسات

و من جهتها أكدت بلعربي نورية، الأمينة العامة لمديرية الصحة والسكان لوهران، على أن نجاح أي إصلاح إداري أو وظيفي داخل المنظومة الصحية يتطلب تأسيس ثقافة اتصالية مهنية ودائمة.

و في هذا الصدد دعت إلى إنشاء مصلحة اتصال صحية مستقلة داخل كل مؤسسة، تكون لها صلاحيات واضحة ومسؤوليات متعددة تشمل التواصل مع الموظفين، المرضى، وسائل الإعلام، والسلطات المحلية.
كما شددت على ضرورة تدريب الموظفين على مهارات الاتصال الداخلي والخارجي، وتبني وسائل حديثة لنقل الرسائل الصحية إلى المواطنين، وأشارت إلى إمكانية التعاون مع صناع محتوى متخصصين في المجال الصحي، لضمان وصول المعلومات بطريقة علمية ومبسطة للجمهور.
وأبرزت بلعربي أن الكثير من المشاكل التي تواجه المؤسسات الصحية تعود إلى سوء في إدارة الاتصال أو غيابه الكامل، ما يولد توترا داخليا، ومشاكل في التسيير، ونقصا في ثقة المواطن في المؤسسة. لذلك، فإن بناء نظام اتصالي متكامل ومهني يعد جزءا لا يتجزا من إصلاح المنظومة الصحية ككل.
هذا و أجمع المشاركون على أن مستقبل المؤسسات الصحية الجزائرية لن يبنى فقط عبر تطوير البنى التحتية أو دعم الموارد البشرية، بل من خلال تطوير منظومة الاتصال الداخلية والنظافة الاستشفائية كأولوية وطنية، تدار عبر كفاءات مختصة، وهياكل تنظيمية حديثة، تتماشى مع المعايير الدولية وتطلعات المواطن الجزائري.

مشددين على أهمية الاتصال المهني والنظافة الفعالة، باعتبارهما عنصرين حاسمين في بناء الثقة، وتحقيق الأداء الصحي المتكامل. فالمواطن اليوم لا ينتظر دواء فقط، بل بيئة صحية، تواصلا فعالا، وخدمة تقدم باحتراف واحترام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق