وهران
“كاب ديزاد” تنقل واقع مركز الوسيط لعلاج ومكافحة الادمان العقيد لطفي بوهران.. جدار صلب في مواجهة الإدمان

روبورتاج : جميلة.م
يواصل المركز الوسيط لعلاج ومكافحة الإدمان العقيد لطفي، التابع للمؤسسة الجوارية للصحة العمومية بالصديقية في وهران، والذي يسجل تزايد مظاهر الإدمان على المخدرات في المجتمع الجزائري، خاصة وسط فئة الشباب، لعب دور حيوي في التكفل بالحالات .
و في هذا الصدد ، سلطت ” كاب ديزاد “الضوء على هذا المركز الذي اصبح ملاذا حقيقيا لمن قرر التخلص من براثن المخدرات، حيث يوفر رعاية طبية ونفسية متكاملة تساهم في اعادة الامل الى حياة المئات.
أرقام تدق ناقوس الخطر
المركز الوسيط لعلاج ومكافحة الادمان العقيد لطفي بوهران يشكل خط الدفاع الاول في وجه آفة تهدد النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
و في هذا السياق, صرحت الدكتورة حي صليحة، مديرة المركز، أن ا المركز يسجل إقبال لافت فمنذ مطلع 2025، يستقبل المركز من 5 الى 10 حالات يوميا، وهو ما يعادل اكثر من 100 شاب شهريا،
و خلال سنة 2024، استقبل المركز أزيد من 1700 حالة إدمان جديدة، معظمهم من الفئة العمرية ما بين 15 و35 سنة، وهو مؤشر يؤكد انتشار هذه الآفة بين اوساط تعتبر في قلب القوة المنتجة للمجتمع.
و حسب الدكتورة حي، أن المواد المخدرة التي يتم تعاطيها من قبل هؤلاء اصبحت اكثر خطورة، وتؤدي بسرعة الى الادمان، مما يستدعي تدخل مبكر لتفادي تطورها الى حالات نفسية او صحية معقدة.
ازدياد نسب الفتيات المدمنات
و من الملاحظ حسب مؤشرات مقدمة، أن المركز بات يستقبل حالات إدمان من مختلف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، ما يدل على أن الادمان أصبح ظاهرة عامة لا تميز بين غني وفقير، او موظف وعاطل، أو متعلم وأمي.
إضافة إلى ذلك، سجل المركز ارتفاعا ملحوظا في عدد الفتيات اللواتي يلتحقن به طلبا للعلاج، وهو تطور خطير يفرض اعادة النظر في استراتيجيات التوعية والوقاية حيث يستقبل المركز ما يربو عن 20 فتاة شهريا.
و غالبية المرضى الذين يقصدون المركز تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة، وهو ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه المجتمع، لان هذه الفئة تمثل القوة النشيطة في البلاد.
هذه الارقام تعكس خطورة الوضع، وتؤكد ان الادمان لم يعد ظاهرة محصورة في الذكور فقط، بل اصبح واقعا يطال الجنسين، ويتسرب الى مختلف المستويات الاجتماعية من الفقراء الى الميسورين، ومن العاطلين الى المتمدرسين والموظفين.
في هذا السياق، يعمل المركز على تكثيف التوعية داخل المحيط المدرسي والجامعي، بالاضافة الى الاتصال المباشر مع العائلات ومؤسسات المجتمع المدني، من اجل نشر ثقافة الوقاية، والتحسيس باهمية العلاج المبكر، وتشجيع المدمنين على طلب المساعدة دون خوف او تردد.
تحديات طبية ونفسية في مواجهة الادمان
المركز لا يكتفي باستقبال المرضى بل يسهر على تقديم علاج طبي خاص، يتكفل بكل ما يتعلق بالاعراض الجسدية والنفسية التي ترافق مرحلة الاقلاع عن المخدرات، خصوصا وان المواد التي يتم استهلاكها من طرف الشباب اصبحت خطيرة جدا، وتسبب الادمان في فترة قصيرة للغاية. هذه المواد الكيميائية القوية تجعل مرحلة الانسحاب صعبة، حيث يواجه المدمن اعراضا نفسية وجسدية حادة.
حسب المسؤولة على المركز، هذه المرحلة تعتبر الاخطر، لانها غالبا ما تحدد مستقبل المريض، فاما ان يتجاوزها بنجاح بدعم طبي ونفسي متكامل، او يعود بسرعة الى دوامة الادمان بسبب الانتكاسة. لهذا يعمل المركز على توفير كل الظروف المناسبة لمرافقة المدمن في هذه الفترة الحساسة، عبر العلاج الطبي المستمر، والجلسات النفسية الفردية والجماعية، بالاضافة الى برامج الدعم النفسي والاجتماعي التي تساعده على اعادة بناء ثقته بنفسه.
لكن رغم كل هذا، يبقى التحدي الاكبر هو النقص في عدد المختصين النفسانيين، اذ يضم المركز حاليا 5 أطباء نفسانيين فقط، وهو عدد لا يلبي حجم الطلب المتزايد. وتؤكد الدكتورة حي صليحة ان هذا النقص يجعل مهمة التكفل النفسي مرهقة، خاصة وان الامر يتطلب متابعة دائمة ودقيقة لكل حالة على حدة.
نداء عاجل لتوسيع التغطية الجغرافية وتدعيم الموارد البشرية
في ظل تزايد عدد الحالات الجديدة، يجد المركز نفسه امام ضغط كبير، اذ لا تحتوي ولاية وهران سوى على مركزين فقط للتكفل بمرضى الادمان، وهو عدد غير كاف تماما لمواجهة الظاهرة، خاصة مع تدفق الحالات يوميا من مختلف بلديات الولاية وحتى من ولايات مجاورة.
مديرة المركز دعت في هذا الاطار السلطات الولائية والجهات الوصية على قطاع الصحة الى ضرورة انشاء مراكز جديدة، وتدعيم الطواقم الطبية والنفسية الحالية، من اجل ضمان تكفل افضل بكل الحالات، وتجنب الوقوع في مشكل الاكتظاظ، الذي قد يؤثر سلبا على فعالية البرامج العلاجية.
كما شددت على ضرورة ايلاء الاولوية للصحة النفسية داخل سياسات الصحة العمومية، لان المدمن لا يحتاج فقط الى علاج جسدي، بل هو في الاصل يعاني من اضطرابات نفسية، قد تكون ناتجة عن ظروف اجتماعية صعبة، او صدمات نفسية، او حتى فراغ عاطفي واسري، وهو ما يجعل الدعم النفسي حجر اساس في اي خطة للعلاج والتعافي.
لذا المركز لا يمكنه خوض هذه المعركة لوحده. فمكافحة الادمان مسؤولية جماعية تبدأ من الاسرة، مرورا بالمدرسة، والجامعة، ووسائل الاعلام، ولا تنتهي عند حدود المؤسسات الصحية. واذا لم يتم تعزيز قدرات المراكز المتواجدة حاليا، وفتح اخرى جديدة، فقد نجد انفسنا امام ازمة صحية واجتماعية يصعب التحكم في تداعياتها.
و أضافت المطلوب اليوم، ليس فقط توفير الادوية او الاسرة، بل اعادة بناء جسر الثقة بين المدمن والمجتمع، وتوفير مناخ نفسي واجتماعي آمن يساعده على الانخراط من جديد في الحياة، بعيدا عن الادمان ومخاطره.