دولي
هل سيكون نفط لبنان طوق نجاة لأوروبا ؟
بعد الاتفاق التاريخي حول ترسيم الحدود البحرية اللبنانية، الإسرائلية
غزالة. م
سمح الاتفاق التاريخي الذي حققته الوساطة الأمريكية بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية بإعلان لبنان عمليات التنقيب الفوري عن النفط والغاز بالمناطق البحرية المكتشف بها الحقول النفطية، وهو ما سيساهم في إخراج لبنان من الأسر المالي الذي تتخبط فيه.
ومن جهته، اعتبر الرئيس اللبناني العماد “ميشال عون” أن ترسيم الحدود البحرية هو استعادة حقوق الشعب اللبناني، والشروع في إنتاج النفط لخدمته وإعادة لبنان إلى طبيعته مثلما استعاد اليوم سيادته. كما اعتبرت مختلف الأطياف اللبنانية ذلك انتصارا تاريخيا للبنان وشعبه، بعد 12 عاما من النضال والكفاح لترسيم الحدود التي واكبتها عمليات مسح للبحر اللبناني على مساحة 22 ألف كم²، بطريقة ثنائية وثلاثية الأبعاد، إلى جانب تعيين هيئة للبترول، وهو ما سمح بإطلاق مناقصات، ولم يتبقى سوى قانون الصندوق السيادي الذي يضمن كيفية استخدام المال، حسبما ذكره رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب “جيران باسيل”، الذي قال: “هذا العهد بدأ بإقرار المراسيم وسينتهي بإقرار الترسيم، ما يضع لبنان على الخط السيادي والحقوقي، الذي يستأهله شعبنا اللبناني”، في إشارة إلى سنة 2011، أين تم الاكتفاء بإرسال رسالة تبليغ إلى الأمم المتحدة تحمل الخط والإحداثيات.
لبنان يعلن حصوله على “كامل حقوقه”
وفي سياق متصل، فقد أكد نائب رئيس مجلس النواب “إلياس أبو صعب” المكلّف من رئيس الجمهورية “ميشال عون” بمتابعة الملف أن لبنان حصل على كامل حقوقه في المقترح الذي تمّت صياغته بوساطة أميركية لترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، وقد أُخذت جميع ملاحظاته بعين الاعتبار، وهو ما سيسهل إطلاق عمليات التنقيب عن النفط. من جهتها اعتبرت الرئاسة اللبنانية في بيان لها، أنها تعتبر الصيغة النهائية لهذا العرض، مرضية للبنان لا سيما وأنها تلبي المطالب اللبنانية، بعدما حافظت على حقوق لبنان في ثروته الطبيعية، لاسيما وأن لبنان سيستفيد بشكل كلي من حقل النفط “قنا”.
في المقابل، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي أن هذا الاتفاق التاريخي سيعزز أمن إسرائيل وسيضخ المليارات في اقتصادها وسيكفل استقرار حدودها الشمالية، مردفا أن الاتفاق سيعرض على مجلس الوزراء الأمني والحكومة يوم الأربعاء للموافقة عليه قبل عرضه على البرلمان.
“توتال” ستتكفل بتعويض إسرائيل
أكد المكلف بملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائلية “إلياس أبو صعب” أن التوصل إلى حل يرضي الطرفين في موضوع الترسيم الحدودي، سيجعل لبنان يحصل على كامل حقوقه من حقل “قانا”. مشددا على أن العرض الأميركي لترسيم الحدود البحرية ليس اتفاقا أو معاهدة مع إسرائيل، لأنهم كلبنانيين لا يعترفون بإسرائيل. موضحا أن الجانب الإسرائيلي سيأخذ تعويضاته من شركة “توتال” الفرنسية وليس من لبنان وسبق للبنان أن وقع اتفاقا مع “توتال” عام 2017. حيث ستقوم شركة “توتال” الفرنسية بتعويض إسرائيل عن جزء صغير من حقل “قنا” يمتد إلى مياهها الإقليمية، بعدما كانت ترفض لسنوات العرض اللبناني.
منصتا الردع بين “قنا” و “كاريش”
استند الوسيط الأمريكي “آموس هوكستين” في قيادته لملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية الإسرائلية على الخط 23، الموجود إلى أقصى الشمال، اعتمادا على الخيار اللبناني، بينما يقع حقل “كاريش” بالجنوب الغربي للخط 23، وهو ما يعني أنه سيبقى تحت سيطرة إسرائيلية كاملة.
حيث ينطلق خط 23 من 30 مترا شمال رأس الناقورة، المثبتة في لبنان، وفق القرار 318 عام 1920، وفي اتفاقية 23 كانون الاول 1920، وفي اتفاق بوله نيوكومب 7 آذار 1923، وفي محضر عصبة الأمم في 4 شباط 1924، وفي اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل (23 آذار 1949) في المادة الخامسة، الفقرة الأولى، وكذلك في اتفاق ترسيم الحدود بين اسرائيل ولبنان (5 – 15 كانون الاول 1949) الموقع من الكابتن فريدلندر ربيالاسرائيلي والكابتن اسكندر غانم اللبناني، والمرفق بخريطة مطبوعة في اسرائيل.
حيث ستنطلق شركة “توتال” الفرنسية في إنجاز منصة بحقل “قنا” التابعة للبنان، فيما ستنجز شركة “إنرجين” اليونانية منصة بحقل “كاريش” التابعة لإسرائيل. وهو ما سيجعل منصتين للغاز لعدوين، يترصد أحدهما الآخر. ولكن حسب مطلعين على الملف وأسرار تسييره، فإنه في حال حدث توتر بين الجانبين، فإن أغلب الظن أن الحكومة اللبنانية لن توجه ضربات لمنصة “إنرجين” بل تنظيم “حزب الله” لأنه من قاد المفاوضات خلف رئيس الدولة ورئيس مجلس النواب، لهذا سيقوم بذلك وهو ما يجعلها في مأمن من لوم المجتمع الدولي عكس اسرائيل تماما.
اللبنانيون بين مطرقة الديون وسندان الفساد
يعيش لبنان حاليا أزمة داخلية خانقة، وصلت حتى سرقة مدخرات المودعين وتهريب أموالهم الى الخارج بعد إفلاس البنوك، وانقطاع الكهرباء والمياه وغياب الخبز وانهيار القوة الشرائية للعملة الوطنية بأكثر من 95%، والتلاعب بسعر الدولار وتفاقم الهجرة للكفاءات وتزايد البطالة واستشراء الفساد الذي دفع بالشعب إلى اختيار قوارب الموت للهروب من جحيم الاقتصاد المنهار والحياة المضنية ببلدهم. هذه الوضعية المزرية التي دفعت الشعب يتحسر ويطالب مسؤوليه بتطبيق القانون ومحاسبة الفاسدين، الذين أوصلوا البلد إلى ما هو عليه اليوم من تمزق مجتمعي وانهيار اقتصادي وفساد سياسي، لاسيما وأنه تم تكبيل لبنان ب100 مليار دولار كديون خارجية، يمكن التخلص منها بعد انطلاق منصة “قانا” في استخراج الطاقة. وهو الأمل الذي تشبث به اللبنانيون فور سماعهم بالاتفاق التاريخي حول ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائلية.
هل سيعوض لبنان نفط روسيا لأوروبا؟
يأتي نجاح الوسيط الأمريكي “آموس هوكستين” بعد عامين من قيادة مفاوضات شاقة بين الوفد اللبناني بقيادة نائب مجلس النواب “إلياس أبو صعب” والوفد الاسرائيلي بقيادة رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلي “إيال حولاتا” في التوصل إلى اتفاق تاريخي بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، في ظرف صعب تمر به أوروبا، في ظل تراجع تموينها بالطاقة، بعدما حرمتها روسيا من طاقتها كرد على العقوبات الاقتصادية المسلطة عليها. حيث اعتبرت فرنسا الاتفاق اللبناني الاسرائيلي بمثابة الخشبة التي تمسك بها وسط أمواج الزيادات المضاعفة في أسعار الطاقة من طرف أمريكا، ودخول فصل البرد، مما جعل الكثير من المحلات تتجه لبيع الحطب، بعدما استشرف الأوروبيون شتاء باردا، ناهيك عن النقص الحاد في مادة الوقود، وهو ما يلوح بظروف قاسية مقبل عليها الفرد الأوروبي، بعد تخلي روسيا عن تموين أوروبا خارج الدفع بالعملة المحلية وهي “الروبل” الروسي. واستغلال أمريكا للوضع المزري لأوروبا ورفع أسعار الطاقة ب4 مرات ضعف السعر الحقيقي، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” يعلن غضب أوروبا من التصرف الأمريكي وتذكيره بأن مبادئ الصداقة لا تسمح باستغلال ضعف الصديق لممارسة الابتزاز. هذه الظروف والعوامل إلى جانب الظروف الكارثية التي يحياها لبنان، دفعت شركة “توتال” لتحضر للانطلاق في تجسيد مشروع التنقيب عن الطاقة بحقل “قنا” فور إمضاء لبنان وإسرائيل على الاتفاق التاريخي لترسيم الحدود البحرية اللبنانية الاسرائيلية، في وقت لازالت لم تذكر الأبحاث والدراسات السابقة أي معلومة عن هذا الحقل وطاقته الانتاجية، لاسيما وأن روسيا كانت تزود أوروبا بربع احتياجاتها، وهو صعب التحقيق من جانب حقل لم يتم الكشف عن طاقته الانتاجية بعد، حسب تقدير متابعين للشأن الأوروبي الروسي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت آثارها تظهر جليا على ما يحصل بمختلف مناطق العالم، والتغيرات الجيوسياسية الحاصلة وبداية ظهور أقطاب دولية جديدة، في محاولة لإنهاء القطب الأحادي.
يذكر أن الاتفاق التاريخي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية الاسرائلية جاء عقب تنازل لبنان عن خط 29 على مساحة تقدر ب 1430 كم²، مكتفية بخط 23 كمرجع للتقسيم، وهو ما سيسمح للبنان باستغلال كلي لحقل “قانا”، بينما ثلثه الممتد بالمياه الإقليمية الإسرائلية، ستعمد شركة “توتال” الفرنسية إلى تعويض إسرائيل عنه دون المساس بالحقوق اللبنانية.