مزاد... كاب ديزاد
الجزائر محور في العلاقات الدولية؟!

تسلط هذه الفترة الأضواء على كل التحركات الجزائرية الداخلية والخارجية، لمعرفة البوصلة التي تحتكم لها، حتى تتخذ مواقف قوية وتحاضر في العالم بصوت واضح وصارم.
فبعدما كان الجميع يراهن على وهن الجزائر، وضعف ديبلوماسيتها الخارجية، بعد الهزات الارتدادية الداخلية وما شابها من غموض، جاء “الحراك المبارك” الذي قدم درسا للشعوب والأنظمة التي تدعي الحرية والتحرر وحقوق الناس، فكان حدثا نادرا بأكثر من 90 جمعة، يخرج فيها ملايين الجزائريين إلى الشارع، دون أن تسقط قطرة دم أو يشعل فيها متراس واحد او تكسر واجهة محل، في اصطفاف وتناسق تام بين الجيش والشعب، في رسالة قوية للأعداء قبل الأصدقاء بأن الشعب والجيش جسم واحد والجزائر وأمنها خط أحمر. وبعد نجاح اجراء الانتخابات الرئاسية في 2019، كانت الصفعة مدوية على وجه من راهنوا على “دخول الجزائر في حيط”، وهي المرحلة التي كانت انطلاقة قوية ومن أرضية صلبة اتجاه تحريك الديبلوماسية الجزائرية الخارجية والداخلية، لإعادة الجزائر إلى مكانها الطبيعي بين مصاف الدول التي لا يمكن الاستغناء عنها في صناعة التغيرات الدولية، واتخاذ القرارات المصيرية.
استغلت الجزائر الظروف المتغيرة في العلاقات الدولية، ورتبت أمورها وأولوياتها، فاتجهت إلى إعادة النظر في علاقاتها ومصالحها ومصالح شعبها. غيرت تعاملها اتجاه الاتحاد الأوروبي، وبدأت في تجسيد شعار “الند للند ومبدأ رابح رابح”، قوضت تعاملها الاقتصادي مع إسبانيا، وغيرت اتجاه أنبوب الغاز المزود لأوروبا إلى إيطاليا بعدما كانت إسبانيا الموزع، وأعادت مقطع النشيد الوطني الرسمي الذي يتوعد فرنسا بالرد صراحة.
لم ينته الدور الخارجي الجزائري عند حدود المتوسط، فهي تملك علاقات صداقة قوية بمختلف القوى والدول في العالم، فاختارت زيارة رسمية إلى روسيا في أوج الصراع الدولي، والحرب الروسية الأوكرانية، أين قدمت عرضا للتوسط لإنهاء الحرب، بصفتها صديقة وتربطها علاقات جيدة مع البلدين أوكرانيا وروسيا، رحبت هذه الأخيرة بالعرض، وفور عودة الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” من الزيارة، انطلقت الديبلوماسية الجزائرية في التحرك أوروبيا لإنجاح العملية، كما أن تصريح الرئيس الجزائري من روسيا كان له صدى قويا، جعل العالم يركز مع دولة بشمال افريقيا، مطلة على البحر المتوسط، أسقطت الصورة المزيفة لاسم “أقوى دولة بالعالم” وأخرجتها من أراضيها تجر أذيال الهزيمة بصدور رجالها العارية وأبسط الأسلحة في 1962، وبعدها بديبلوماسيتها الناجحة في تسوية العديد من التوترات الدولية المعقدة، على غرار العراق وإيران، وأمريكا وإيران، ومؤخرا توحيد الصف الفلسطيني، عبر إعلان الجزائر الذي وقعته الفصائل الفلسطينية، ونضالها السياسي الذي كان له الفضل الكبير في عودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة العربية، فضلا عن الموارد الطبيعية الهائلة والموقع الجغرافي الاستراتيجي، والدور المهم لها في المنظمات الطاقوية، إلى جانب أهم موقع يسمح لها بالصدح بمواقفها علانية، هو عدم وجود دين خارجي لها، مما جنبها الوقوع تحت أي ضغط خارجي، فطالبت روسيا علانية بتسريع انضمامها إلى منظمة “البريكس”، والسير في طريق القضاء على هيمنة الدولار والأورو، للقضاء على نظام القطب الواحد والتوجه إلى نظام متعدد الأقطاب، يقضي على هيمنة دول محددة على دول أخرى واستنزافها. فظن الجميع لاسيما من يكنون الحقد للجزائر بأن أمريكا وأوروبا ستقطع العلاقات معها وربما تفرض عليها عقوبات، لكن أمريكا لم تتأخر في التواصل مع الجزائر، وتشديدها على ضرورة توثيق علاقتهما أكثر والدفع بمجالات التعاون إلى أوسع القطاعات، في حين أكدت فرنسا أنه لا يمكن أن تبقى علاقاتها مع الجزائر فاترة، والظروف تحتم عليها بمراجعة حساباتها مع الجزائر، فيما يحضر حزب الشعب الإسباني برنامجا خاصا يتضمن العمل على محاولة إرضاء الجزائر واستعادة علاقاتها معها في حال تم فوزه بالحكومة الاسبانية، بعد الانتخابات البرلمانية القادمة وما ستسفر عنه النتائج.
التحولات الدولية لم تنس الجزائر في الأوضاع بإقليمها الجغرافي، فقد سبق وأكدت أنها لن تسمح بانهيار تونس ولن تقبل بتدخلات خارجية في شؤونها الداخلية، كما أنها تعمل على إنهاء التوتر بليبيا عبر اجراء انتخابات نزيهة يشاركها فيها كل الشعب الليبي بمختلف أطيافه، وضرورة إخراج مليشيات المرتزقة، ناهيك عن الوضع المختل بمالي، مركزة أن السلاح لن يكون حلا صحيحا، لأن هشاشة الساحل الأمنية لا تحتمل المزيد من الفوضى.
هي تطورات وأوضاع جعلت الجزائر تعرف كيف تستغلها لصالحها ببرامج قاعدية قوية مثل طريق الحرير العابر للصحراء، أنبوب الغاز من نيجيريا، الذي تمول الجزائر شطرا مهما منه، وتمويلها للصندوق المالي الافريقي، ناهيك عن مشاريعها الاستثمارية القاعدية بداخل أراضيها.
كل هذا وما خفي أعظم لدولة صرخ أولادها في العالم: الجزائريون ولدوا أحرارا وهم أحرار في قراراتهم وتصرفاتهم، والقادم أجمل وأفضل، مادامت قراراتها نابعة من عهد قطعوه لشهداء سقوا ترابها دما لأكثر من 130 سنة.
وعليه لا تستغربوا إذا قلنا: الجزائر لها كلمتها في قلب التغيرات الإقليمية والدولية، فهي قوية بشعبها، محمية بجيشها، مدعومة بأصدقائها.
بقلم: وردة. ق