وهران

جامعة وهران 2 تناقش أزمة الذوق العام: تحذير من تحول التفاهة إلى معيار نجاح

جميلة.م

 
ناقشت جامعة وهران 2 محمد بن أحمد، في ملتقى وطني علمي احتضنته مكتبة كلية العلوم الاجتماعية بمجمع مراد سليم طالب، تحديات عصر التفاهة الذي بات يهيمن على الخطاب العام، ويؤثر بشكل مباشر على الذوق والمعرفة والفكر النقدي. الملتقى الوطني جاء تحت عنوان: “اسس ثقافة الذوق: الفلسفة وعلوم الانسان في مواجهة عصر التفاهة”، من تنظيم قسم الفلسفة، ووحدة البحث في علوم الانسان، بالتعاون مع قسم الدراسات الفلسفية التطبيقية، وشارك فيه نخبة من الاساتذة والمفكرين من مختلف الجامعات الجزائرية، في محاولة جادة لتفكيك الظاهرة والبحث عن سبل مواجهتها.
و حذر المتدخلون من تحول التفاهة الى معيار للنجاح، و في هذا الصدد أسار الاستاذ الدكتور مراد قواسمي، رئيس اللجنة العلمية للملتقى، أن فكرة الملتقى بدأت منذ عامين، وجاءت كرد فعل فكري على ما وصفه بزحف التفاهة نحو كل مفاصل الحياة اليومية. 
وبيّن قواسمي أن المشكلة لا تكمن فقط في وجود محتوى تافه، بل في تحوله الى قاعدة يقاس بها النجاح والانتشار، خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لم يعد هناك اهتمام بالفكرة او العمق، بل بمدى قدرة المحتوى على جذب الانتباه ولو على حساب القيم والمعايير الفكرية.
وشدد على أن الفلسفة، الى جانب باقي علوم الانسان كعلم الاجتماع والانثروبولوجيا والاعلام، يجب ان تستعيد دورها في تشخيص هذه الظاهرة، والتحذير من تأثيرها السلبي العميق على القيم المجتمعية والهوية الثقافية.
 
قال قواسمي: “صرنا نعيش في عالم يشجع على التقليد والابتذال، خاصة في اوساط الشباب العاطلين عن العمل او اولئك غير المنخرطين في مشاريع فكرية او ثقافية جادة. هؤلاء اصبحوا يوجهون الراي العام، ويتحكمون في دواليب الثقافة اليومية، حتى بات الهزل والسخرية ادوات تسيطر على الفضاء الافتراضي والمشهد الاعلامي”.
سقوط الذوق العام وتحول التفاهة الى معيار
من جهته الاستاذ بوعرفة عبد القادر، رئيس الملتقى، فقد ركز في مداخلته على ما اسماه بانحدار الذوق العام، حيث اعتبر ان مظاهر التفاهة باتت تقاس اليوم في الكلام والفن واللباس والخطاب العام وحتى في المزاج المجتمعي. واوضح ان المجتمع اليوم يكافئ الغريب والمثير والسطحي، على حساب الاصيل والعميق، وذلك نتيجة لمنطق السوق الاستهلاكي الذي يعلي من شان كل ما يمكن تسويقه سريعا.
قال بوعرفة: “استبدل الجوهر بالمظهر، فاصبحت القيمة تقاس بعدد المتابعين لا بنوعية الرسالة، وتحولت القيم النبيلة مثل الصدق والابداع الى شعارات فارغة، بينما اصبحت الرداءة تمثل الواقعية التي يروج لها الاعلام”.
 
كما حذر من تسطيح المعرفة، عبر تقديم محتوى مجزأ وسريع الهضم على شكل مقاطع فيديو قصيرة او منشورات سطحية، مما يؤدي الى خلق وعي زائف، لا ينتج نقدا ولا ابداعا، بل يكرس الاتباع والتقليد.
 
ومن ابرز المفاهيم التي طرحت في الملتقى، ما سماه بعض الباحثين بكوجيتو التفاهة، اي تحول الوجود الانساني من كونه قائما على الفكر والوعي (انا افكر اذا انا موجود) الى كونه مرهونا بالظهور فقط (انا تاففه اذا انا موجود ) واوضح المتدخلون ان هذه القاعدة الجديدة تشكل اساسا لثقافة التفاهة، حيث لا يعود للاصالة او القيمة اي اعتبار امام سلطة الصورة والمظهر.
كما قدم الاستاذ سرير احمد بن موسى من جامعة عين تموشنت محاضرة بعنوان “الحداثة والتفاهة: من انسان الوسط الى انسان الاستحقاق”، تناول فيها تحولا عميقا في المجتمع، حيث تراجع السعي الى التميز والابداع، لصالح اللهاث وراء القبول المجتمعي السريع والمشهدية الزائفة.
واعتبر سرير ان التافهين باتوا يسيطرون على مراكز التأثير في الاعلام والسياسة والثقافة، لا بكفاءاتهم، بل بقدرتهم على ملء الفراغ، وتكرار ما يطلبه السوق والجمهور، محذرا من ان هذه الظاهرة تهدد روح الحداثة نفسها التي قامت على العقلانية وحقوق الانسان.
 
 نواجه التفاهة بتجديد الخطاب واستعادة الوعي الجماعي
 
أجمع الباحثون المشاركون في الملتقى على ان مقاومة التفاهة لا يمكن ان تتم بمجرد التذمر او النقد السطحي، بل من خلال تجديد عميق وشامل للخطابات الفلسفية والدينية والسياسية والاعلامية، بحيث تعيد الاعتبار للقيم الجوهرية، وللمعنى الانساني في مقابل التسليع والابتذال.
ودعا الاساتذة الى ضرورة خلق بدائل ثقافية حقيقية، تبدأ من المدرسة والجامعة، ولا تنتهي عند وسائل الاعلام، عبر تعزيز التفكير النقدي، وتحفيز الابداع، وتثمين القيم الفكرية والانسانية. كما شددوا على اهمية استعادة دور المثقف، ليس بالمعنى النخبوي، بل كمشارك فعال في تشكيل الراي العام، ومواجهة الخطاب السطحي بمضامين نوعية.
و أكد المحاضرون ان التفاهة ليست ظاهرة هامشية، بل نظام قائم، تغذيه الوسائط الحديثة ومنطق السوق، و اكدوا ان الوعي الجماعي، والتفكير الفلسفي، والاشتغال على الانسان بوصفه فاعلا لا مستهلكا، هي الطريق نحو تجاوز هذا العصر، واستعادة المعنى والكرامة في المشهد الثقافي والاجتماعي.
 
الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

error: جميع نصوص الجريدة محمية
إغلاق